ولما وردت دمشق وقعت بيني وبين نور الدين السخاوي مدرس المالكية صحبة فرغب منى أن أفطر عنده في ليالي رمضان فحضرت عنده أربع ليال ، ثم أصابتني الحمى فغبت عنه فبعث في طلبي فإعتذرت بالمرض فلم يسعنى عذرا فرجعت إليه وبتّ عنده ، فلما أردت الانصراف بالغد منعني من ذلك وقال لي : احسب داري كأنها دارك أو دار أبيك أو أخيك ، وأمر بإحضار طبيب وأن يصنع لي بداره كل ما يشتهيه الطبيب من دواء أو غداء ، وأقمت كذلك عنده إلى يوم العيد ، وحضرت المصلى (٢٩٢) وشفاني الله تعالى مما أصابني ، وقد كان ما عندي من النفقة نفد ، فعلم بذلك فإكترى لي جمالا وأعطاني الزاد وسواه ، وزادني دراهم وقال لي : تكون لما عسى أن يعن لك من أمر مهم ، جزاه الله خيرا. وكان بدمشق فاضل من كتاب الملك الناصر يسمى عماد الدين القيصراني (٢٩٣) من عادته أنه متى سمع أن مغربيّا وصل إلى دمشق بحث عنه وأضافه وأحسن إليه ، فإن عرف منه الدين والفضل أمره بملازمته ، وكان يلازمه منهم جماعة ، وعلى هذه الطريقة أيضا كاتب السر الفاضل علاء الدين بن غانم (٢٩٤) وجماعة غيره.
وكان بها فاضل من كبرائها وهو الصاحب عزّ الدين القلانسي (٢٩٥) ، له مآثر ومكارم وفضائل وإيثار ، وهو ذو مال عريض ، وذكروا أن الملك الناصر لما قدم دمشق أضافه وجميع أهل دولته ومماليكه وخواصّه ثلاثة أيام فسمّاه اذ ذاك بالصّاحب.
ومما يؤثر من فضائلهم أن أحد ملوكهم السالفين لما نزل به الموت أوصى أن يدفن
__________________
(٢٩٢) بنيت مصلى دمشق من لدن الملك العادل أخي السلطان صلاح الدين ، وتوجد جنوب مقبرة باب الجابية.
(٢٩٣) هذا عماد الدين اسماعيل بن محمد بن عبد الله القيسراني (بالسين) المتوفى سنة ٧٣٦ ـ ١٣٣٦ ينتمي إلى أسرة القيسراني من أعيان دمشق. وكان موقّع الدّست بمصر ثم ولي كتابة حلب ثم صرف إلى توقيع الدست بدمشق وتقدم عند أميرها تنكيز ـ الدرر الكامنة ٣ / ١٧٨.
(٢٩٤) هو علي بن محمد بن سليمان بن حمائل الدمشقي علاء الدين بن غانم المشهور بأدبه وقضائه لحوائح الناس كتب في ديوان الإنشاء وكان رئيسا كبيرا أدركه أجله عام ٧٣٦ ـ ١٣٣٦ الدرر الكامنة ٣ ، ١٧٨.
(٢٩٥) من أسرة موموقة بدمشق وقد أدركه أجله في سادس ذي الحجة سنة ٧٢٩ أكتوبر ١٣٢٩ واسمه حمزة بن أسعد ويلقب بالصاحب عز الدين ، رئيس الشام في عصره وله وكالة السلطان والوزارة بالشام ، ولقب الصاحب جاء من الملك الناصر ، نزل عنده عند ما قاد الجيش المصري إلى سوريا لمقاومة الغزو الإيلخاني عام ٧٠١ ـ ١٣٠٢ وأقام بدمشق من ٢٢ أبريل إلى ٢٠ ماي ١٣٠٣ وأقام في دمشق كذلك من يناير ١٣١٠ ومنذ ١٨ فبراير إلى أول مارس ومن ٨ إلى ٢٣ ماي ١٣١٣ ، قبل وبعد حجه هذا العام ٧١٣ ه ـ الدرر الكامنية ٢ / ١٦٢ ـ ١٦٣.
Gibb I p. ٢٥١ Note ٣١٣.