بقبلة الجامع المكرّم ويخفى قبره وعين أوقافا عظيمة لقراء يقرءون سبعا من القرآن الكريم في كلّ يوم إثر صلاة الصبح بالجهة الشرقية من مقصورة الصحابة رضياللهعنهم حيث قبره ، فصارت قراءة القرآن على قبره لا تنقطع أبدا ، وبقى ذلك الرسم الجميل بعده مخلدا.
ومن عادة أهل دمشق وسائر تلك البلاد أنهم يخرجون بعد صلاة العصر من يوم عرفة فيقفون بصحون المساجد كبيت المقدس وجامع بني أمية وسواها ويقف بهم أئمتهم كاشفي رؤوسهم، داعين خاضعين خاشعين ملتمسين البركة ويتوخّون الساعة التي يقف فيها وفد الله تعالى وحجاج بيته بعرفات ، ولا يزالون في خضوع ودعاء وابتهال وتوسل إلى الله تعالى بحجاج بيته إلى أن تغيب الشمس فينفرون كما ينفر الحاج باكين على ما حرموه من ذلك الموقف الشريف بعرفات داعين إلى الله تعالى أن يوصلهم اليها ولا يخليهم من بركة القبول فيما فعلوه.
ولهم أيضا في إتباع الجنائز رتبة عجيبة ، وذلك أنهم يمشون أمام الجنازة والقرّاء يقرءون القرآن بالأصوات الحسنة والتلاحين المبكية التي تكاد النفوس تطير لها رقة ، وهم يصلون على الجنائز بالمسجد الجامع قبالة المقصورة ، فإن كان الميت من أيمة الجامع أو مؤذنيه أو خدامه أدخلوه بالقراءة إلى موضع الصلاة عليه ، وإن كان من سواهم قطعوا القراءة عند باب المسجد ودخلوا بالجنازة ، وبعضهم يجتمع له بالبلاط الغربي من الصحن بمقربة من باب البريد فيجلسون وأمامهم ربعات القرآن يقرءون فيها ، ويرفعون أصواتهم بالنداء لكل من يصل للعزاء من كبار البلدة وأعيانها ، ويقولون : بسم الله فلان الدّين من كمال وجمال وشمس وبدر وغير ذلك ، فإذا أتموا القراءة قام المؤذنون فيقولون : افتكروا واعتبروا ، صلاتكم على فلان الرجل الصالح العالم ، ويصفونه بصفات من الخير ثم يصلّون عليه ويذهبون به إلى مدفنه.
ولاهل الهند رتبة عجيبة في الجنائز ايضا زائدة على ذلك وهي أنهم يجتمعون بروضة الميت صبيحة الثلاث من دفنه وتفرش الروضة بالثياب الرفيعة ، ويكسى القبر بالكسى الفاخرة وتوضع حوله الرياحين من الورد والنّسرين والياسمين ، وذلك النوار لا ينقطع عندهم ، ويأتون بأشجار الليمون والأترج ويجعلون فيها حبوبها إن لم تكن فيها ، ويجعل صيوان يظلّل الناس نحوه ، ويأتي القضاة والأمراء ومن يماثلهم فيقعدون ، ويقابلهم القراء ، ويؤتى بالربعات الكرام فيأخذ كل واحد منهم جزء فإذا تمت القراءة من القراء بالأصوات الحسان يدعو القاضي ويقوم قائما ويخطب خطبة معدة لذلك ، ويذكر فيها الميت ويرثيه بأبيات شعر ، ويذكر أقاربه