اهلة بالعلم في القرنين السادس والسابع الهجري ويقع التأليف في مجلد ضخم على ما أخبره به بعض علماء الإقليم ...
وقد كان مما لفت النظر في الرحلة أنّ ابن بطوطة ـ بالرغم مما تقلب فيه من وظائف وما مرّ به من ظروف ـ لم ينس المغرب الذي ظل أمام مخيلته وبين سمعه وبصره.
وحتى نعرف درجة الحسّ الوطني للرجل لا بد أن نلاحظ تصيّده الفرصة لذكر المغرب ، فهو يفيدنا أن المغاربة شاركوا ضد هجوم القرامطة على الكعبة ، وهي الحقيقة التي نجد لها صدى في المصادر القديمة للتّاريخ الدّولي للمغرب ...
ولم ينس أن يقارن بين (الصقورة) في المغرب وبين (سيربيدار) في فارس ... ولم ينس أن يقارن بين نظام" الفيلات" في الصين ومثيلاتها في سجلماسة!! بل وبين قطع الأسطول والأجفان بالمغرب وعددها في الصين ... سواء منها الغزوية او السّفرية ، أو الحربية والتجارية بالمصطلح الحديث.
ولقد علقت بمخيلته صور الأودية الكبرى بالمغرب ، فهو يقارن وادي سلا ، بنهر مدينة إصطنبول ... ولا يفوته أن يذكر بأنه يدّخر مذكراته التي يكتبها ليفيد بها مواطنيه بالمغرب ... وعند ذكر الطيور وعند حضور الأسماك ، وعند رؤيته للأواني الخزفية التي تقدم إليه ، لا بد أن يعتزّ بالخزف الذي تصنعه الأيادي المغربية. وحتى في شكل الخصومات والمرافعات نجده يقارن بين شكلها ونوعها في بلاده الأصلية وفي الأماكن التي كان يتجول فيها ...
ويلاحظ أن الرجل كان في مستوى ما تنعم به بلاده من ذكر جميل ولا بد أن نحضر معه ذات يوم خروجه للأسواق ليقتني الملابس المناسبة لرحلة صيد دعاه إليها السلطان. إنه كان يريد" أن يظهر القوة والهمة" ... لقد كان حريصا على أن يمثل بلاده أحسن تمثيل إذ كان عظيم الاعتزاز بهويته المغربية في البلاط الهندي. وهو الأمر الذي ما يزال مثقفو الهند يذكرونه إلى اليوم ، لقد كان يعلم أن بلاده ، في ذلك العهد ، كانت على وضع ممتاز ، وأحسن على كلّ حال من وضع تلك الجهات ، ولذلك فإنه كان يجيب عند ما يسأل عن أصله : بأنه ينتسب إلى بلد أصيل اثيل وفي هذا الصدد لابد أن نلفت النظر إلى نوع من المقارنات الطريفة والدالة على الحسّ الاقتصادي والتجاري الذي كان يتوفر عليه ، والذي يعبر عن شمولية شخصيته واكتمالها : قضية تتبّعه للأسعار وتتبّعه للمكاييل والمعايير والموازين ، وقيمة العملات حتى لكأنك مصحوبا بجريدة تطلعك على أسعار ما يجري في السوق. وهكذا لم يكن الرحالة رجل فقه وأحكام وأوراق ، ولكنه رجل مطلع على كل شيء.
فقد بدا مهتما بقضايا الصرف والمقارنة بين العملة في المغرب وغيره ، عند ما كان بمصر والبصرة ، وتركيا ... والهند ، وكذلك المقارنة بين الرطل بالمغرب والمنّ في الجهات