وفيها يقول القاضي أبو الحسن عليّ بن النبيه من (١٨٥) قصيدة :
انست بالعراق بدرا منيرا |
|
فطوت غيهبا ، وخاضت هجيرا |
واستطابت ريّا نسائم بغدا |
|
د فكادت لو لا البرى أن تطيرا |
ذكرت من مسارح الكرخ روضا |
|
لم يزل ناضرا وماء نميرا |
واجتنت من ربى المحوّل نورا |
|
واجتلت من مطالع التّاج نورا |
ولبعض نساء بغداد في ذكرها (١٨٦) :
آها على بغدادها وعراقها |
|
وظبائها والسّحر في أحداقها |
ومجالها عند الفرات بأوجه |
|
تبدو أهلّتها على أطواقها |
متبخترات في النعيم كانّما |
|
خلق الهوى العذريّ من أخلاقها |
نفسي الفداء لها ، فأي محاسن |
|
في الدّهر تشرق من سنا إشراقها |
رجع ، ولبغداد جسران اثنان (١٨٧) معقودان على نحو الصّفة التي ذكرناها في جسر مدينة الحلّة ، والناس يعبرونهما ليلا ونهارا رجالا ونساء ، فهم في ذلك في نزهة متّصلة (١٨٨) ، وببغداد من المساجد التي يخطب فيها وتقام فيها الجمعة أحد عشر مسجدا ، منها بالجانب الغربيّ ثمانية وبالجانب الشرقيّ ثلاثة والمساجد سواها كثيرة جدّا وكذلك المدارس إلا أنها
__________________
(١٨٥) علي بن محمد بن النبيه شاعر منشئ من أهل مصر مدح الايوبيين وتولى ديوان الانشاء الذي يعني وزارة الخارجية (وليس ديوان القضاء كما عند ابن بطوطة) للملك الأشرف موسى ، ورحل إلى نصيبين فسكنها وتوفي بها عام ٦١٩ ١٢٢٢ ـ الأبيات تصف رحلة ناقته. والبرى ج برة : حلقة توضع في أنف الناقة ، يقول : لو لا أنها ناقة لطارت إلى بغداد من شوقها إليها ...! والكرخ : الحي الرئيسي ببغداد يقع على الشط الغربي ، والمحوّل : اسم مكان كان ناديا للهو في ضواحي بغداد غربيّها. والتاج اسم لقصر من قصور الخلفاء على الشط الشرقي ...
(١٨٦) من إسهام ابن بطوطة في التعريف بالآدب النسوي في بغداد على ذلك العهد ، ويلاحظ أن معظم النسخ تحرّك حرف اللّام من كلمة (خلق) بالكسرة بينما بعضها يضبط اللام بالضم : خلق.
(١٨٧) الجسران اللذان يتحدث عنهما على ذلك العهد هما اللذان كانا يقعان على التوالي : الأول في الطرف الشمالي لسوق الثلاثاء ، والثاني في جوار قصر التاج إلى ضاحية القرية. هذا وينبغي إن نرجع إلى الجزء الأول من تاريخ بغداد للخطيب البغدادي لنعرف عن عدد الجسور في بغداد ، وقد كان أولها جسر أبي جعفر عام ١٥٧ ٧٧٤ ، وفد كان هناك جسر خاص بالنساء ...
(١٨٨) ينبغي أن نقف قليلا مع هذا التعبير الجميل الذي اقتبسه ابن بطوطة من سابقه ابن جبير (صفحة ١٨٠) ، هذا التعبير هو : .." في نزهة متصلة" أي أن الناس في تحركاتهم عبر الزوارق على تقدير ابن جبيرا وعبر الجسور في تقدير ابن بطوطة كانما هم في (نزهة متصلة) الأمر الذي كنا نشعر به طوال مقامنا السعيد الرغيد في عاصمة الرافدين!!