١٩ تشرين الأول :
زرت الباشا اليوم زيارة الوداع. فوجدته أكثر استقرارا من ذي قبل ، ولكنه ما زال مغتما يتنهد باستمرار تنهدا عميقا. وكان معظم حديثه اليوم في مواضيع دينية كعادته. وقد سألني عن عدد الأناجيل سواء السماوية منها أو الموضوعة من قبل البشر بوحي من الله ، وهل سيظهر المسيح وينشر سلطانه على الأرض ، أو هل أنه سيظهر يوم الحساب فقط. ثم تكلم عن الدجّال (١) وعن يأجوج ومأجوج وغير ذلك ، وكان لطيفا
__________________
قيلولة دخل بعض الملائكة غرفته فحيوه دون أن يظهروا أنفسهم له. فلم يرد التحية عليهم لأنه سمع الصوت ولم ير أحدا. ولكن الملائكة استمروا بقولهم «نحن رسل الله ربنا وربك أرسلنا إليك لنخبرك بأنه سيجعلك ملكا وخليفة له في الأرض» فأجاب لقمان : «إذا كان هذا أمر الله بأن أكون ما تقولون فأمره نافذ وأرجو أن ينعم علي بفضله لأتمم إرادته ، وإذا خيرني الله بما أرغب فيه من العيش ، فإني أفضل البقاء على ما أنا عليه من الحال وإنه سيرضاني ويحميني من أن أكفر بنعمته وإلا فعظمة الحياة ستكون النقمة بذاتها علي» لقد أرضى لقمان الله بجوابه هذا فأنعم عليه على الفور بالحكمة في أعلى درجاتها ومكّنه من تعليم النوع البشري ما يقارب العشرة آلاف مثلا ، وقول كل منهم أثمن من العالم بكامله. جلس لقمان في يوم من الأيام بين جماعة كبيرة كانت تستمع إليه ، فمر بهم يهودي من أعاظم اليهود فرآه محاطا بالمستمعين ، فسأله عما إذا كان هو ذلك العبد الأسود الذي كان يرعى أغنام أحد الناس ، فرد عليه بالإيجاب ، فأجابه اليهودي بقوله إذن كيف أصبحت في هذه المنزلة من الحكمة والفضل؟ فأجابه باتباعي ثلاثة أمور اتباعا صادقا وهي : «أن أقول الحق على الدوام ، وإن أوفي بعهدي ، وأن لا أتدخل بما لا يعنيني». ويذكر أحد المؤرخين بأن داود سأل لقمان في أحد الأيام كيف نهض في ذلك الصبح ، فأجابه لقمان : «إنني نهضت من خلال ترابي» فقدر له داود قوله واحترامه ، وعظم فيه حكمته وتواضعه. ويخبرنا مؤرخ آخر بأننا نجد ضريح لقمان في (رامه) وهي مدينة صغيرة بالقرب من القدس ، وهو نوبي المولد يهودي المذهب ، وقد دفن بالقرب من الأنبياء السبعين ، الذين ماتوا في يوم واحد بالقرب من القدس.
(١) الدجال هو الكذّاب أو المخادع. وهو يعني أيضا ذو عين واحدة وحاجب واحد