٢٩ تشرين الأول :
كان الأمس يوما مزعجا ، فقد كان المناخ يشبه مناخ كرارة (١) فالأرياح تهب عاصفة من الشرق والشرقي الجنوبي ، والجو مملوء بالغبار الذي غطى كل شيء وملأ أعيننا وخياشيمنا وأفواهنا. وسرنا اليوم في الخامسة والنصف صباحا باتجاه شمالي شرقي ، وبعد ساعة تقريبا مررنا بقرية (ره شكي) (٢) على الجانب الأيسر من طريقنا وهنا يتشعب طريق آخر إلى اليسار ويتصل بالطريق الرئيسي ثانية عند قرية (كرده شير).
والظاهر أن الأرض مزروعة بكاملها زرعا جيدا ، وهي أكثر تموجا من الأرض الواقعة في جنوب (أربيل). وكان القرويون منهمكين بالحرث ، وهو خدش بسيط لسطح الأرض ليس إلا. وقد شاهدنا ثورا صغيرا وحمارا يجران محراثا وقد ربطا إلى فدان واحد.
والظاهر أن الجبال في هذه المنطقة تنعطف نحو الشرق فتشكل قوسا ، ثم تعود فتتجه نحو الغرب عند (الزاب). ولقد أصبح بإمكاني أن أميز الآن عدة سلاسل ، الأولى هي الأرض المتكسرة ، ولم تكن هذه إلا امتدادا لجبال (شوان) والثانية التلال وهي مرتفعة قليلا يرتفع عليها تل أو تلان ، وسلسلة أخرى صخرية أمام (زغروس) التي تشرف فوق الجميع ، وتظهر أنها أكثر ارتفاعا وتكسرا في قممها من أي مرتفع أو قسم منها شاهدناه حتى الآن. وتتبين خطوط التلال على ما أعتقد ، أكثر تقاربا مما كانت عليه في كردستان. وقد شاهدنا أمامنا جبل (مقلوب) ، وإلى مسافة
__________________
(١) كرارة موقع على دجلة على بعد بضعة أميال من بغداد ، وقد اعتاد المستر (ريج) وقرينته أن يخيما فيه بعد انتهاء موسم الحر الشديد وذلك اعتبارا من أول تشرين الأول حتى نهاية كانون الثاني. وفي خلال هذه المدة كثيرا ما تهب الرياح الشرقية الجنوبية ، وقد جاء ذكر هذه الرياح هنا لتأثيرها ، سيما فيمن يعيش تحت الخيام ـ الناشرة.
(٢) وصحيحها (ره شكين) ـ المترجم.