لمن غسلها فأكلت منها وادّخرت عليه شيئا من عساليج الخردل قد سقطت لمن غسلها فأكلت منها وادّخرت باقيها ، ونمت تحت شجرة خروع.
فبينما أنا كذلك إذ ورد البائن نحو أربعين فارسا مدرعين ، فدخل بعضهم إلى المزرعة، ثم ذهبوا ، وطمس الله أبصارهم دوني ، ثم جاء بعدهم نحو خمسين في السّلاح ونزلوا إلى البائن ، وأتى أحدهم إلى شجرة إزاء الشجرة التي كنت تحتها ، فلم يشعر بي.
ودخلت إذ ذاك في مزرعة القطن وأقمت بها بقية نهاري ، وأقاموا على البائن يغسلون ثيابهم ويلعبون ، فلما كان الليل هدأت أصواتهم ، فعلمت أنهم قد مرّوا أو ناموا فخرجت حينئذ واتبعت أثر الخيل ، والليل مقمر ، وسرت حتى انتهيت إلى باين آخر ، عليه قبة فنزلت إليه وشربت من مائه وأكلت من عساليج الخردل التي كانت عندي ، ودخلت القبة فوجدتها مملوءة بالعشب مما يجمعه الطير فنمت بها ، وكنت أحس حركة حيوان في تلك العشب أظنه حيّة فلا أبالي بها لما بي من الجهد ، فلما أصبحت سلكت طريقا واسعة تفضي إلى قرية خربة وسلكت سواها فكانت كمثلها وأقمت كذلك أياما ، وفي بعضها وصلت إلى أشجار ملتفة بينها حوض ماء وداخلها شبه بيت وعلى جوانب الحوض نبات الأرض كالنّجيل. وغيره فأردت أن أقعد هنالك حتى يبعث الله من يوصلني إلى العمارة.
ثم إني وجدت يسير قوة فنهضت على طريق وجدت بها أثر البقر ووجدت ثورا عليه بردعة ومنجل ، فإذا تلك الطريق تفضي إلى قرى الكفار فاتبعت طريقا أخرى فأفضت بي إلى قرية خربة ورأيت بها أسودين عريانين فخفتهما وأقمت تحت أشجار هنالك فلما كان الليل دخلت القرية ووجدت دارا في بيت من بيوتها شبه خابية كبيرة يصنعونها لاختزان الزّرع، وفي أسفلها نقب يسع منه الرجل فدخلتها ووجدت داخلها مفروشا بالتبن وفيه حجر جعلت رأسي عليه ونمت.
وكان فوقها طائر يرفرف بجناحيه أكثر الليل ، وأظنه كان يخاف فاجتمعنا خائفين وأقمت على تلك الحال سبعة أيام من يوم أسرت ، وهو يوم السبت وفي السابع منها وصلت إلى قرية للكفار عامرة ، وفيها حوض ماء ومنابت خضر ، فسألتهم الطعام ، فأبوا أن يعطوني ، فوجدت حول بئر بها أوراق فجل ، فأكلته ، وجئت القرية فوجدت جماعة كفار لهم طليعة ، فدعاني طليعتهم فلم أجبه ، وقعدت إلى الأرض ، فأتى أحدهم بسيف مسلول ورفعه ليضربني به ، فلم التفت إليه لعظم ما بي من الجهد ، ففتشني فلم يجد عندي شيئا فأخذ القميص الذي كنت أعطيت كمّية للشيخ الموكل بي.