وأما أبو المكارم مسلم بن قريش فقد غارت الساتورة فسلموها له إذ ذاك عطشا.
ولما حاصرها غلت الأسعار بحلب فعول على الرحيل عنها واتفق له ما ذكرناه في ترجمته.
وأما هولاكو فإنه أخذها بالأمان ثم خربها ، وبقيت نحو ثلاث وثلاثين سنة كذلك حتى شرع في عمارتها قراسنقر المنصوري بأمر الملك المنصور ، وكملت عمارتها في سنة تسعين وستمائة. قال ابن حبيب : وكتب عليها اسم السلطان الأشرف خليل ابن المنصور بماء الذهب فإنه تولى السلطنة في هذه السنة.
وأما غازان فامتنعت منه وامتنعت من منطاش أيضا.
وأما تيمور فأخذها بالأمان ثم خربها جماعته وأخذ منها من حواصلها ما بهره كما اعترف به تيمور أنه لم يجد في حصن قط ما وجد فيها ، ودامت على ذلك خرابا حتى انتدب لعمارتها جكم العادل وهو الذي ادعى السلطنة بحلب وقتل على يد عثمان بن طرعلي في سنة تسع وثمانمائة وأخرب عدة أماكن بحلب من الترب والمدارس لعمارتها وعمل بنفسه واستعمل قضاة البلد ، وعمر البرج المطل على سوق الخيل وكذلك البرج المطل على باب الأربعين (البرج الشمالي) وبنى قصرا على البرجين المطلين على باب القلعة. وهذا القصر عظيم واسع جدا مفروش بالرخام وله مناظر من جهاته المطلة على البلد ، وله بوابة عظيمة وتجاهها إيوان واسع برسم مصالح خدمة السلطان إذا حضر إلى حلب ونزل بهذا البرج. وقيل إنه لم ير مثل هذا القصر في حصون المسلمين. أما المكحلة (المدفع) التي على جدران البرجين والدركاه فمن فعل نائبها الأمير ناصر الدين في أيام الظاهر برقوق.
وقد حاصرها جماعة منهم ابن قصروه فامتنعت وكذلك تغري ورمش كافل حلب في سنة اثنتين وأربعين حصارا بليغا ورمى عليها بمكحلة عظيمة فأثر فيها في البرج المطل على سوق الخيل ، ونقب عليها ، ونزل في النقب بنفسه فرأى ما يهوله فرجع واستعان في حصارها بمشاة من الأكراد ، وزحف عليها ليلة العاشر من رمضان من جميع جوانبها ونزلوا الخندق ظنا منهم أن يلقوا الجسر الذي لها ، ففتح أهل القلعة بإشارة نقيبها الأمير شهاب الدين طاقات من أعلى الجسر ورموا عليهم بقدور من الكلس فخرجوا ، وبالجملة لم يأخذها أحد بالأمان كما في فصل الملوك.
وقد نقل إلى هذه القلعة المؤيد أخشابا من دمشق وسقف القصر ببعضه وأحدث الكوات التي في ظلمة الدركاه وبعضها باق الآن. وقد عمر نائبها (باك) في أيام