وجدير بالذكر أن يونس استفاد من مصاحبة الشافعى ، فلم يكن مقلدا ، وإنما كان يناقشه ويناظره ، ويختلف معه أحيانا ولا يتفق. لقد تناظرا فى مسألة يوما ، فافترقا ، ثم لقيه الشافعى ، وأخذه بيده ، وقال له : أبا موسى ، ألا يستقيم أن نكون إخوانا ، وإن لم نتفق فى مسألة؟ (١).
٣ ـ وأخيرا ، فقد خلّف لنا يونس ثروة فقهية طيبة ، إذ نقل لنا جانبا من مناظرات الشافعى مع الفقيه الحنفى «محمد بن الحسن الشيبانى» (٢) ، بالإضافة إلى ما احتفظ لنا به السبكى من مسائل فقهية كثيرة ، نقلها يونس بن عبد الأعلى عن أستاذه الإمام الشافعى «رضى الله عنه» (٣). وإلى جانب ما تقدم ، فإنه يبدو أن يونس امتدت صلاته إلى بعض فقهاء إفريقية لدى مجيئهم إلى مصر ، ولعله تناقش معهم ، وعرف ما ل «سحنون المالكى ت ٢٤٠ ه) من قدر فى العلم عظيم (٤). وإذا كنا قد رأينا إشارة ما إلى وجود بعض مدونات حديثية ليونس ، فإننا لم نقف على أية إشارة تفيد تركه أى مصنّف فقهى. وعلى كل ، فلعل ليونس صلات عديدة بعلماء إفريقية ، وغيرها من بلاد المغرب والأندلس لدى نزولهم مصر ، فربما عمرت هذه اللقاءات بمناظرات ومناقشات فقهية. ولعل هذا هو الذي لفت نظر الحفيد المؤرخ «ابن يونس» ، فيما بعد ، لكتابة تراجم هؤلاء العلماء وغيرهم فى كتابه «تاريخ الغرباء».
رابعا ـ اللغة والأدب :
ولا أعنى بذلك أن يونس كان ذا إسهام فى عالم اللغة والأدب ، لكنى أرجح أنه اكتسب من مصاحبة الشافعى فصاحة وبلاغة (٥). ومن هنا ، فقد نقل لنا عن أستاذه
__________________
(١) سير النبلاء ١٠ / ١٦. وعلّق الذهبى قائلا : هذا يدل على كمال عقل الشافعى ، وفقه نفسه ، فلا يزال النظراء يختلفون.
(٢) تاريخ بغداد ٢ / ١٧٧ ـ ١٧٨.
(٣) طبقات السبكى ٢ / ١٧٤ ـ ١٧٧.
(٤) قال عنه : هو سيد أهل المغرب. فردّ حمديس القطّان : أو لم يكن سيد أهل المشرق والمغرب؟! فأكثر يونس من الثناء عليه. (معالم الإيمان ٢ / ٨٢).
(٥) كان يونس أحد المواظبين على حضور حلقات الشافعى العلمية ، وقد كانت جلساته متعددة ، وعلومه كثيرة ومتنوعة. ونتوقع أن يقتبس منه قدرا لا بأس به من فصاحته وبلاغته. لقد عبّر يونس عن بيان الشافعى الساحر بقوله : كانت ألفاظه كأنها سكر (مختصر تاريخ دمشق) ٢١ / ٣٩١. ويمكن مراجعة مجالس الشافعى اليومية ، وبرنامجه اليومى للتدريس والمناظرة فى