من خارج مصر مع الوضع فى الاعتبار أن ابن يونس لم يرتحل ، ولم يسمع بغير مصر (١) ، لكنه ـ بالتأكيد ـ تتلمذ على أيدى علماء مصر ، وعلى أيدى الوافدين إليها من كافة الأقاليم الإسلامية الأخرى ؛ مما عوّضه ـ إلى حد كبير ـ عن عدم الارتحال.
ولعل سر عدم مفارقته بلده مصر يرجع إلى حبه الشديد لوطنه ، بحيث لا يقدر على مغادرته ، مقتفيا فى ذلك أثر والده وجده يونس من قبل ، فلم يؤثر عنهما ارتحال خارج بلدهما مصر. ولعله كان يرى أن مصر لا تقل عن بغداد وغيرها من حواضر العالم الإسلامى الأخرى ، فهى غنية بعلمائها ، والعلماء يقصدونها من كل حدب وصوب ، كما أنه يمكنه استخدام المراسلات والمكاتبات مع بعض العلماء من خارج مصر ؛ للحصول على ما يريد من مادة علمية ، تعينه على تصنيف مؤلفاته (٢). والمعتقد لدىّ أن طلب العلم خارج حدود الوطن أكثر فائدة لطالبه ، ولو أن ابن يونس زار الأقاليم الإسلامية الأخرى ، ما وقفت مؤلفاته التاريخية عند حدود بلده مصر ، ولازدادت معارفه ، وتنوعت مصنفاته.
من أساتيذ ابن يونس المصريين : والده «أحمد بن يونس» ، وعلى بن قديد ، وعلى بن أحمد علّان ، وأحمد بن حماد زغبة ، وعبد الملك بن يحيى بن بكير (٣) ، وأحمد بن عبد الوارث بن جرير الأسوانى (٤) ، والعباس بن محمد الفزارى «وقد أكثر ابن يونس فى الأخذ عنه» (٥) ، وغيرهم كثير.
وممن روى عنهم من الأندلسيين ، الذين قدموا إلى مصر : عبد الله بن محمد ابن حسين (٦) ، وعبد الله بن حنين بن عبد الله المالكى (٧) ، وعيسى بن محمد
__________________
(١) سير النبلاء ١٥ / ٥٧٩ ، وتاريخ الإسلام ٢٥ / ٣٨٢ ، وتذكرة الحفاظ مجلد ٢ ج ٣ ص ٨٩٨.
(٢) كما هو الحال فى علاقته بالمؤرخ الأندلسى الخشنىّ ، على نحو ما سنوضح فى (موارد تاريخ الغرباء) لابن يونس.
(٣) سير النبلاء ١٥ / ٥٧٩ ، وتاريخ الإسلام ٢٥ / ٣٨٢.
(٤) سير النبلاء ١٥ / ٢٤.
(٥) راجع ترجمته فى (تاريخ المصريين) لابن يونس (برقم ٧٠٦).
(٦) يعرف ب (ابن أخى ربيع). سمع بمصر محمد بن زبّان ، وغيره. وسمع منه بها ابن يونس وغيره. وكان من أهل الحديث ، ومعرفة علله ، وله فيه مؤلفات. توفى سنة ٣١٨ ه. (تاريخ ابن الفرضى ـ ط. الخانجى ـ ١ / ٢٦٢ ـ ٢٦٣).
(٧) قرطبى حج آخر عمره ، وسمع بمصر من محمد بن زبان الباهلى. وسمع منه بها ابن يونس ، وغيره. توفى سنة ٣١٩ ه. (الديباج ١ / ٤٣٦ ، وطبقات المفسرين للداودى ١ / ٢٢٧ ـ ٢٢٨).