حديثية ، فيقول : «ليست له رواية نعلمها» (١) ؛ إذ قد يجد غيره روايات لم يقف هو عليها. وقد لا يحدد ما طالع من أحاديث المترجم له ، فيعبّر عن ذلك بدقة ظاهرة ، فيقول : «وقد رأيت من حديثه» (٢). وكان ابن يونس يستقصى مظانّ الحديث فى كافة مصادره ، فلا يجده ـ أحيانا ـ سوى فى كتاب واحد ، يقوم بتحديده (٣). وقد يذكر المعلومة ، وهو غير متيقن ، فيعبّر عن ذلك بلفظة تناسب ذلك «أحسبه» (٤).
وأخيرا ، فقد كان ابن يونس لا يلحق ببعض المترجمين ، وإنما يلقى من يحدّث عنه (٥) ؛ ولذلك كان يتبع الدقة والأمانة الواجبة ، فلا يزعم روايته عن المترجم له.
وكذلك كان يفرق ـ بدقة ـ بين ذوى الأسماء المتشابهة ، وذلك عن طريق علمه الدقيق بالأساتيذ الحديثية (٦).
وتمتع ابن يونس بنظر ثاقب ، وفكر صحيح ؛ إذ كان يحسن ـ فى ذلك الوقت المبكر ـ فهم وإدراك سبل التعلّم وطرائقه. لقد كان على يقين تام بأن ذلك يقوم على عدة أسس متكاملة لا فكاك منها ، وهى «الفهم ، والكتابة ، والحفظ ، والمذاكرة» (٧) وهذا يدل على براعة الفكر التربوى لمؤرخنا ابن يونس ، الذي يصلح على الدوام ، وبه تستوعب العلوم ، ويتم التقدم والازدهار.
__________________
(١) تاريخ المصريين (ترجمة ربيعة بن عيدان الحضرمى الصحابى ، رقم ٤٦٦).
(٢) السابق (ترجمة سالم بن عبد الله التونى ، رقم ٥٢٣).
(٣) السابق (ترجمة يعقوب القبطى ، رقم ١٤١٠) ، وفيها قال : (لم أجد هذا الحديث فى غير كتاب ابن عفير).
(٤) السابق (ترجمة أسميفع بن الشاعر بن يريم ، رقم ١٣٣) ، وفيها قال : (وقد روى عمرو بن جابر الحضرمى ، عن أسميفع. وأحسبه هذا).
(٥) تاريخ الغرباء (ترجمة عبد الصمد بن الفضل المتوفى سنة ٢٤٣ ه ، رقم ٣٣٣).
(٦) السابق (ترجمة عمران بن حصين الضبىّ ، رقم ٤٢٢) ، وفيها قال : (ما جاء لأهل الكوفة عن سعد بن أوس العبسىّ ، عن عمران بن حصين فهو الضبى ، لا الصحابى).
(٧) وردت بعض عناصرها فى بعض التراجم ، فكان يركز على الجمع بين الحفظ ، والفهم ، والكتابة (السابق : ترجمة ١٣٨). وذكر الفهم والحفظ فى (السابق : ترجمة ٤٠٦). وذكر العناصر الواردة بالمتن ما عدا الحفظ فى (السابق : ترجمة ٣٣٧) ، لكنه مفهوم ضمنا. وهذا لا يعنى أنه لا يفهم ضرورة توافر كل العناصر معا ؛ لإنجاح التعلّم ؛ لأنه يحكمه فى ذكرها مستوى ما حصّل المترجم له من علم ، والطريقة والمستوى الذي وصل إليه ، والطريق الذي سلكه. ومن مجموع ما أورد عرفنا نظرته.