ثالثا ـ كيف وصلت بقايا «تاريخى ابن يونس» إلينا؟
من خلال مطالعة الكثير من المصادر ـ مطبوعة ، ومخطوطة ـ تبين لنا أن النصوص المتبقية من كتابى مؤرخنا «ابن يونس» كثيرة ؛ ولذلك كان السؤال الذي يطرح نفسه بكل قوة : كيف وصلت إلينا بعد كل هاتيك القرون هذه النصوص الغزيرة؟ والجواب : على يد عدد من تلاميذ ابن يونس ، الذين رووا كتابيه ، وحصلوا على نسخ مكتوبة منهما ، ثم توالى النسخ على يد كتّاب ونسّاخ أثبات ثقات ، أسهموا فى انتشار هذين المؤلّفين عبر القرون المتلاحقة ، إلى جانب حرص عدد من أبرز العلماء المحدّثين المؤرخين ـ سواء كانوا مصريين ، أم غير مصريين ـ على الاحتفاظ بنسخ خاصة بهم من هذين الكتابين ، حيث قاموا بالاقتباس منهما فى مؤلفاته المختلفة ، وقد قدم لنا هؤلاء العلماء ـ من حيث لا يدرون ـ خدمة جليلة ، عندما غدت هذه المقتبسات هى كل ما تبقى فى عصرنا الحالى من إنتاج «ابن يونس» التاريخى بعد فقد أصوله.
والآن مع التعريف بأهم هؤلاء التلاميذ ، وإبراز جهودهم فى نقل كتابى مؤرخنا إلينا :
١ ـ ابن مسرور :
هو أبو الفتح عبد الواحد بن محمد بن أحمد بن مسرور البلخىّ ، نزيل مصر. حدث عن أبى بكر أحمد بن سليمان بن زبّان ، وعبد الله بن أحمد الفرغانى (١) ، وأبى سعيد بن يونس ، وغيرهم. روى عنه عبد الغنى بن سعيد ، وأحمد ابن عمر بن سعيد بن قديد ، ومحمد بن عبد الرحمن الأزدى ، وآخرون (٢). كان حافظا مكثرا (٣) ، أقام بمصر مدة (٤) ، وكان له كتاب فى «التراجم» ، طالع نسخته المكتوبة بخط المؤلف ، ونقل عنها الخطيب البغدادى (٥). توفى فى سلخ ذى الحجة سنة ٣٧٨ ه ، بعد
__________________
(١) سير أعلام النبلاء ١٦ / ١٣٣ (وهو عالم تركى الأصل ، توفى سنة ٣٦٢ ه ، ووثّقه ابن مسرور).
(٢) تاريخ الإسلام ٢٦ / ٦٢٨ ، وسير النبلاء ١٦ / ٥١٦ ـ ٥١٧).
(٣) المصدران السابقان. وأضاف الذهبى فى (سير النبلاء) ١٦ / ٥١٦ : أنه رحّال ، روى عن البغداديين ، والدمشقيين ، والمصريين ، وغيرهم. (السابق ١٦ / ٤٢٣).
(٤) تاريخ الإسلام ٢٦ / ٦٢٨).
(٥) راجع بعض نقول الخطيب المنسوبة إلى (ابن مسرور) فى (تاريخ بغداد) ١١ / ٢٣٥ ، ١٢ / ٥ ـ ٦ ، ٤٤٩.