هذا الحد ، وإنما تجاوزه إلى نواح أخر ، ومصادر جديدة. لقد كان «تاريخ المصريين» لابن يونس أحد المصادر التى اعتمد عليها المؤرخ «لسان الدين بن الخطيب» فى كتابه «الإحاطة» (١). وتأثر بمنهجه فى الاهتمام بتراجم «الغرباء» كل من ابن الفرضى (٢) ، وابن بشكوال (٣) ، وإن لم يخصصا لذلك كتابا كاملا مثله ، وإنما جعلا للغرباء بابا فى نهاية الأسماء التى يترجمون لها فى أبوابها ، ما وجدت مادة تعين على ذلك. وكذلك تأثر ـ فيما يبدو ـ المؤرخ «أبو الحسين الرازى» بهذا المنهج ، فوضع كتابا باسم : «تسمية من كتب عنه بدمشق من الغرباء» (٤).
٣ ـ وأخيرا ، فإننى لا أجد ما أختم به هذه الدراسة إلا أبياتا ، رثاه بها «أبو عيسى عبد الرحمن بن إسماعيل بن عبد الله بن سليمان الخولانى الخشّاب المصرى النحوى العروضى» (٥) ، لخّص فيها أخلاقه ، وعلمه ، ومكانته ، فقال : «من بحر البسيط» :
بثثت علمك تشريقا وتغريبا |
|
وعدت بعد لذيذ العيش مندوبا |
أبا سعيد ، وما نألوك (٦) أن نشرت |
|
عنك الدواوين تصديقا وتصويبا |
__________________
(١) راجع (مقدمة المؤلف) ١ / ٨٢.
(٢) أشار روزنثال إلى ذلك فى (علم التاريخ عند المسلمين) ـ من الترجمة العربية للدكتور صالح العلى ـ ط ٢ ، ١٩٨٣ م ، ص ٢٣٥ (هامش ٨٦). وراجع (تاريخ ابن الفرضى ، ط. الخانجى) ١ / ٢٩ ـ ٣٠ (ومن الغرباء فى هذا الباب) ، وذكره بعد انتهاء تراجم (باب إبراهيم).
(٣) راجع (الصلة) ١ / ١٧٥ (وترجمة أحد العلماء الغرباء : خلف بن مسعود المالقى).
(٤) هو (محمد بن عبد الله بن جعفر) ، نزيل دمشق (ت ٣٤٧ ه). حافظ جليل. له مؤلّف فى (أخبار الشافعى). (طبقات الشافعية ، للإسنوى ٢ / ٥٧٩). وممن ترجم لهم هذا المؤرخ فى كتابه الوارد بالمتن : (عدنان بن أحمد بن طولون). (راجع مخطوط تاريخ دمشق) ١١ / ٤٦٠.
(٥) توفى هذا العالم النحوى الشاعر فى شهر صفر سنة ٣٦٦ ه : روى عنه النسائى ، وغيره. وهو نحوى أديب فاضل ، متصدر فى هذا الشأن. شعره أجود من شعر النحاة الآخرين. (راجع ترجمته فى : إنباه الرواه ٢ / ١٥٨ ، ووفيات الأعيان ٣ / ١٣٨).
(٦) كذا فى (وفيات الأعيان) ٣ / ١٣٨. ولعله من الفعل : (ألا ، يألو) بمعنى : فتر ، وضعف ، أو قصّر وأبطأ. وألا الشيء : استطاعه (اللسان ، مادة : أ. ل. و) ج ١ ص ١١٧ ، والمعجم الوسيط ١ / ٢٥). ولعل المقصود : ما نقصّر فى نشر فضائلك ، وقد كتبت الكتب تشيد بعلمك ، وتصوّب رأيك. وهذا الفعل ورد فى (فوات الوفيات) ١ / ٢٦٨ : (وما يألوك إن نشرت عنك الدواوين). وفى (مصر فى عصر الإخشيديين) ص ٣٢٧ : (وما نالوك إن نشرت). ورتبت على ذلك استنتاجا ، مفاده أن بعض معاصريه كانوا لا يثقون بما كتبه فى التاريخ ، وأن آخرين كانوا يتصدون للدفاع عنه.