ولما بلغ شهاب الدين السهروردي ذلك وأيقن أنه يقتل وليس جهة إلى الافراج عنه اختار أنه يترك في مكان منفرد ويمنع من الطعام والشراب إلى أن يلقى الله تعالى ، ففعل به ذلك. وكان في أواخر سنة ست وثمانين وخمسمائة بقلعة حلب ، وكان عمره نحو ست وثلاثين سنة.
قال الشيخ سديد الدين محمود بن عمر : ولما بلغ شيخنا فخر الدين المارديني قتله قال لنا : أليس كنت قلت عن هذا من قبل وكنت أخشى عليه منه.
أقول (من كلام ابن أبي أصيبعة) : ويحكى عن شهاب الدين السهروردي أنه كان يعرف علم السيميا وله نوادر شوهدت عنه من هذا الفن ، ومن ذلك حدثني الحكيم إبراهيم ابن أبي الفضل بن صدقة أنه اجتمع به وشاهد منه ظاهر باب الفرج وهم يتمشون إلى ناحية الميدان الكبير ومعه جماعة من التلاميذ وغيرهم ، وجرى ذكر هذا الفن وبدائعه وما يعرف الشيخ منه وهو يسمع ، فمشى قليلا وقال : ما أحسن دمشق وهذه المواضع! قال : فنظرنا وإذا من ناحية الشرق جواسق عالية متدانية بعضها إلى بعض مبيضة وهي من أحسن ما يكون بناية وزخرفة ، وبها طاقات كبار فيها نساء ما يكون أحسن منهن قط ، وأصوات مغان وأشجار متعلقة بعضها مع بعض ، وأنهر جارية كبار لم نكن نعرف ذلك من قبل. فبقينا نتعجب من ذلك وتستحسنه الجماعة وانذهلوا لما رأوا. قال الحكيم إبراهيم : فبقينا كذلك ساعة. ثم غاب عنا وعدنا إلى رؤية ما كنا نعرفه من طول الزمان ، قال لي : إلا أني عند رؤية تلك الحالة الأولى العجيبة بقيت أحس في نفسي كأنني في سنة خفية ، ولم يكن إدراكي كالحالة التي أتحققها مني.
وحدثني بعض فقهاء العجم قال : كنا مع الشيخ شهاب الدين عند القابون ونحن مسافرون عن دمشق ، فلقينا قطيع غنم مع تركمان فقلنا للشيخ : يا مولانا ، نريد من هذه الغنم رأسا نأكله ، فقال : معي عشرة دراهم خذوها واشتروا بها رأس غنم. وكان ثم تركماني فاشترينا منه رأسا بها ومشينا ، فلحقنا رفيق له وقال : ردوا الرأس وخذوا أصغر منه ، فإن هذا ما عرف يبيعكم ، يسوى هذا الرأس البختي الذي معكم أكثر من الذي قبض منكم. وتقاولنا نحن وإياه. ولما عرف الشيخ ذلك قال لنا : خذوا الرأس وامشوا وأنا أقف معه وأرضيه ، فتقدمنا وبقي الشيخ يتحدث معه ويمنيه ، فلما أبعدنا قليلا تركه