وأما الملك الظاهر فإنه طلب العريف وقال : أريد الفص ، فقال : يا مولانا أخذه صاحبه ابن الشريف افتخار الدين مدرس الحلاوية ، فركب السلطان ونزل إلى المدرسة وقعد في الإيوان وطلب افتخار الدين إليه وقال : أريد الفص ، فعرّفه أنه لشخص فقير نازل عنده ، قال : فأفكر السلطان ثم قال : يا افتخار الدين ، إن صدق حدسي فهذا شهاب الدين السهروردي.
ثم قام السلطان واجتمع بشهاب الدين وأخذه معه إلى القلعة وصار له شأن عظيم وبحث مع الفقهاء في سائر المذاهب وعجّزهم ، واستطال على أهل حلب وصار يكلمهم كلام من هو أعلى قدرا منهم ، فتعصبوا عليه وأفتوا في دمه حتى قتل. وقيل إن الملك الظاهر سير إليه من خنقه.
قال : ثم إن الملك الظاهر بعد مدة نقم على الذين أفتوا في دمه وقبض على جماعة منهم واعتقلهم وأهانهم وأخذ منهم أموالا عظيمة.
وذكر الشيخ أحمد الملا في مختصره لتاريخ الذهبي ومن خطه نقلت قال : ونقل عن الموفق يعيش النحوي قال : لما تكلموا في السهروردي قال له تلميذ له : قد كثر القول بأنك تقول النبوة مكتسبة فاخرج بنا ، فقال : اصبر عليّ أياما حتى نأكل البطيخ ونروح ، فإن بي طرفا من السل وهو يوافقه ، ثم خرج إلى قرية دوير ابن الخشاب وبها محفرة تراب وبها بطيخ مليح ، فأقام بها عشرة أيام ، فجاء يوما المحفرة وحفر في أسفلها فطلع له حصى ، فأخذه ودهنه بدهن معه ولفه في قطن وتحمله في وسطه ووسط أصحابه أياما ، ثم أحضر بعض من يحك الجوهر فحكه فظهر كله ياقوتا أحمر ، فباع منه ووهب ، ولما قتل وجد منه شيء في وسطه ا ه.
وقال ابن أبي أصيبعة : حدثني سديد الدين محمود بن عمر المعروف بابن رقيقة قال : كان الشيخ شهاب السهروردي رث البزة لا يلتفت إلى ما يلبسه ولا له احتفال بأمور الدنيا ، قال : وكنت أنا وإياه نتمشى في جامع ميّافارقين وهو لابس جبة قصيرة مصرية زرقاء وعلى رأسه فوطة مفتولة وفي رجليه زربول ، ورآني صديق لي فأتى إلى جانبي وقال : ما جئت تماشي إلا هذه الخربندا؟ فقلت له : اسكت ، هذا سيّد الوقت شهاب الدين السهروردي ، فتعاظم قولي وتعجب ومضى.