الفصل الثالث
عصور التاريخ القديم
أولا : العصر الفارسي
كان سقوط أشور في نهاية القرن السابع قبل الميلاد ، حدثا مهما ومنعطفا حادا في تاريخ الشرق الأدنى القديم ، إذ كان حصيلة تضافر جهود شعوب متفرقة. وبناء عليه ، عندما فتح باب التنافس بين هذه الشعوب ، لم يكن أي واحد منها مؤهلا لملء الفراغ الذي حدث. فمصر التي كانت مرشحة للقيام بهذا الدور ، على قاعدة «لعبة الأمم» السابقة في المنطقة ، لم تكن في وضع ذاتي يؤهلها لذلك. وفراعنة السلالة ٢٦ ، على الرغم من أنهم أعادوا إلى مصر الاستقرار والازدهار داخليا ، لم يكن في قدرتهم انتهاج السياسة اللازمة لفرض سلطتهم على الأراضي التي كانت تحكمها أشور. ولذا ، تقسمت هذه الأراضي بين عدد من القوى المتنافسة ، واندلع الصراع بينها.
وعلى شواطىء آسيا الصغرى الغربية ، برزت مملكة ليديا بعد انهيار الإمبراطورية الحثية ، ولكن بعد سقوط أشور انتهزت الفرصة لتوسيع سلطانها على أناضوليا كلها. وبسبب موقعها الاستراتيجي بين الشرق الأدنى وبلاد اليونان ، كان لصعود ليديا السريع أثر مهم في تاريخ المنطقة لاحقا. ومعلوم أن اليونان أدّوا دورا مهما في هذا التاريخ ، وخصوصا بعد حملة الإسكندر المقدوني الشهيرة ، في نهاية القرن الرابع قبل الميلاد. وفي ليديا كان اليونان عنصرا رئيسيا من السكان. وقد راودت ملكها كرويسوس (٥٦٠ ـ ٥٤٦ ق. م.) طموحات توسعية كبيرة ، لكنها انهارت أمام الزحف الفارسي غربا. ففي معركة على نهر هاليس (كيزيلرماك) سقط كرويسوس صريعا ، وأصبحت آسيا الصغرى ولاية حدود فارسية ، على تماس مع بلاد اليونان ، وبالتالي في صراع مستمر معها.
وإلى الشرق من جبال زاغروس ، كان الميديون عنصر تمرد مستمر على حكم أشور ، وبالتالي عاملا مهما في سقوطها. فعندما وهنت قبضة أشور الحديدية ، بفعل الصراعات الداخلية ، أدّى الميديون دورا رئيسيا في تدميرها. ولما سقطت نينوى وانتهت أشور ، استولى الميديون على جزء كبير من الأراضي الشمالية للإمبراطورية ،