الفصل الأول
عصور ما قبل التاريخ
(العصور الحجريّة)
مقدمة
تثبت اللّقى التي صودف أن عثر عليها مبعثرة في مواقع معينة ، وكذلك نتائج المسوحات الأثرية السطحية لمناطق محددة ، ومن بعدها الحفريات المبرمجة في عدد من المواقع والمغاور ، أن فلسطين كانت ، منذ أقدم العصور المعروفة لوجود الإنسان العاقل (Homo Sapiens) على الأرض ، مهدا لحضارات مادية مهمة في عصور ما قبل التاريخ. وقد اتسمت هذه الحضارات أحيانا بطابع خاص ، فتميّزت بأنماط فريدة من التطور المادي والإنتاج الاجتماعي ، غير أنها ظلت على العموم جزءا لا ينفصل عن محيطها ـ الهلال الخصيب.
تضافرت عدة عوامل طبيعية ـ الموقع والبيئة والطوبوغرافيا والمناخ ـ لتوفر الأوضاع الملائمة لازدهار تلك الحضارات المادية البدائية ، التي اعتمد الإنسان فيها على الصيد ، كصيد الحيوانات أو الأسماك ، وعلى جمع الغذاء من النباتات التي تنمو وتثمر في المحيط ، وفق الأوضاع المناخية الملائمة. وبذلك تمكنت جماعات بشرية بدائية من إنتاج قيم مادية وحضارية ظلت على العموم ، وخلال فترات زمنية طويلة ، رهنا بقدرة تلك الجماعات على التكيف وفق متغيرات المحيط ، والتي بدورها ظل مصيرها مرتبطا ـ إلى حد كبير ـ بعوامل البيئة المسيطرة. فموقع فلسطين ـ على الجسر البري الذي يصل إفريقيا بآسيا ، ثم بأوروبا ـ جعل منها ممرا لانتقال الإنسان ، كما الحيوان والنبات ، وانتشاره من إفريقيا ، التي يقول العلماء المختصون إنها كانت موطن المخلوقات البشرية الأولى. والتشكيلة الواسعة من الملامح الطبيعية والجغرافية ساهمت في بروز أنماط من التجمعات البشرية ، قادرة على تطوير حضارة مادية ، نتيجة الأوضاع المناخية التي سادت عصر البليستوسين الجيولوجي ، الذي يعتبره العلماء عصر ظهور الإنسان وانتشاره على الأرض ، قبل أكثر من ٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ١ عام.
ومنذ عصر البليستوسين الأدنى ، الذي يبدو أنه ساد فلسطين فيه مناخ أكثر رطوبة