خلال حكم البطالسة (القرن الثالث قبل الميلاد) ، كانت فلسطين جزءا من الولاية المعروفة رسميا باسم «سورية وفينيقيا». وكانت حدود هذه الولاية عرضة للتغيير ، بحسب ميزان القوى بين السلوقيين والبطالسة. وعلى العموم ، فقد ضمت دمشق ونصف الساحل الفينيقي وشرقي الأردن. وإلى حد كبير ، حافظ البطالسة على التقسيم الإداري الذي كان قائما في فلسطين أيام الفرس ، مع استبدال لفظ «سترابا» ب «هبّارخيا» للدلالة على الولاية. كما أدخلوا بعض التعديلات الإدارية ، فنقلوا عاصمة أدوميا من لاخيش (تل الدوير) إلى ماريسا (تل صندحنّة) ، وعاصمة الجليل من حاصور إلى قلعة جبل طابور (إيتابيريون). وأعطوا مدن الساحل حكما ذاتيا مستقلا عن الفينيقيين. كما أقاموا إقطاعات يونانية ، مثل قادش (كاداسا) ، وهي قدس في الجليل الأعلى ، وكذلك بيت عنات (البعنة) في الجليل الأسفل ، وغيرهما.
وعلى العكس من الفرس ، ونظرا إلى طبيعة بلادهم قليلة الموارد ، قام اليونان بالاستيطان في الأراضي التي احتلوها على نطاق واسع ، ونالت فلسطين قسطها منه. وقد أدّى ذلك بطبيعة الحال إلى تغيير في التركيب السكاني ، وبالتالي في التنظيم الإداري للمدن التي اتخذت طابعا يونانيا. فقد أقيمت مدن جديدة ، كما أعيد بناء مدن قديمة بنمط سياسي ـ اجتماعي يوناني. وفصلت هذه المدن التي استوطنها اليونان عن محيطها ، بإعطائها حكما ذاتيا متميزا. إلّا إن مسار الهلينة باليونان ، سرعان ما طال السكان المحليين فتبنوا العادات والتقاليد ، وخصوصا في المدن المختلطة مثل : غزة وعسقلان وعكا. وتميّزت ماريسا بتبني الهلينة في أدوميا. فضلا عن إقامة مستوطنات يونانية صرفة ، مثل : سكيتوبولس (بيسان) وبطوليمايس (عكا). أمّا السامرة (سماريا) ، فقد استوطنها جنود مقدونيون متقاعدون.
ولما انتزع السلوقيون فلسطين من أيدي البطالسة (بداية القرن الثاني قبل الميلاد) ، أدخلوا بعض التعديلات الإدارية على هذه «الهبارخيا» (الولاية) ، فقسموها إلى مقاطعات أكبر ، وهي : ١) باراليا ، وتضم كل السهل الساحلي ؛ ٢) ساماريا ، وتضم الجليل ، يوديا ، يوبا (يافا) وأراضي طوبيا العموني (شرقي الأردن) ؛ ٣) أدوميا ، التي ضمت يمنيا (يبنى) وأزوتس (أسدود). وفي أيام السلوقيين أقيم عدد من المدن اليونانية ، كما تحوّل عدد آخر من المدن القديمة إلى مستوطنات يونانية. وكان السلوقيون أشد اهتماما بالهلينة من البطالسة. وذلك لأنهم ادعوا خلافة الإسكندر ووراثة رسالته في نشر الحضارة اليونانية ، سواء بالاستيطان ، أم بنشر مبادئها بين السكان المحليين.
لقد خاض البطالسة والسلوقيون خمسة حروب من أجل السيطرة على فلسطين