والتجارية. فخلفاء الإسكندر بادروا منذ البداية إلى مصادرة الإقطاعات الكبيرة من أصحابها ، وضمها إلى أملاك الملك ، الذي احتفظ لنفسه بمساحات واسعة منها ، وأقطع المقربين إليه أجزاء منها. وهذه الأراضي تم تأجيرها للفلاحين لقاء أجر سنوي ، نقدا أو عينا. وحظر عليهم تركها قبل انتهاء الموسم ، كما منعوا من تسويق محاصيلهم قبل أن تتاح الفرصة لعمال الملك لطرح حصته في السوق. وبسبب فقرهم ، تحوّل قطاع واسع من الفلاحين إلى عبيد ، فارتبطوا بالأرض ، وكذلك أبناؤهم مدى الحياة.
واحتكرت الدولة الصناعة والتجارة إلى حد كبير. فما لم يكن في يدها مباشرة ، أو مداورة ، فرضت عليه ضرائب عالية ، وضبطت الأسواق وحركة البيع والأسعار. وإضافة إلى أن أراضي الإمبراطورية الشاسعة شكلت سوقا تجارية هائلة ، فقد اهتم الملوك اليونان بتحسين الطرق والموانىء ، وبنوا القنوات للنقل النهري ، كما بحثوا عن أسواق بعيدة ، واكتشفوا طرقا جديدة ، وبذلوا جهدا في تأمين الطرق وحراسة السواحل. وعلاوة على ذلك ، وحّدوا النقد الذهبي والفضي ، وأقاموا المصارف لتسهيل التعامل. وإلى ميناء الإسكندرية على سبيل المثال ، جاءت التوابل من الجزيرة العربية والهند والنحاس من قبرص والذهب من إثيوبيا والهند والتنك من بريطانيا والفيلة والعاج من نوبيا والفضة من شمال بحر إيجة وإسبانيا والسجاد من آسيا الصغرى ، وحتى الحرير من الصين. وكانت أرباح الدولة تصل إلى حدود ٣٠% من سعر البضائع.
ومن النتائج البارزة لهذا النمط الاجتماعي ـ الاقتصادي نمو المدن الكبرى المتعددة. ففضلا عن الاستيطان اليوناني الكثيف ، كانت هناك حركة سكانية من الريف إلى المدن التي أصبحت مراكز صناعية وتجارية ، إضافة إلى كونها مراكز إدارية. ومن عناصر الجذب إلى المدن كان نمط الحياة الإغريقي في المدن الهلينية (بولس) ، وما يوفره من أجواء ثقافية وحضارية. وبرزت أنطاكيا ، عاصمة السلوقيين ، التي تضاعف عدد سكانها أربع مرات خلال قرن واحد. وقبلها نمت سلوقية (على نهر دجلة) إلى مدينة كبرى من نقطة الصفر. ولكن المدينة الأكبر والأكثر شهرة كانت الإسكندرية ، التي يقدر بعضهم سكانها بنحو المليون نسمة. وقد شاع صيت مكتبتها التي يذكر أنها احتوت ٠٠٠ ، ٧٥٠ مجلد. وكما الحال في سورية والأردن ، كذلك في فلسطين ، إذ أقيمت مدن يونانية ، منها : عكا وجبع ودورا ويافا ويبنى وأسدود وعسقلان وغزة ورفح والسامرة وصفورية وبيسان وغيرها.
لكن الازدهار الهليني كان من نصيب القلة فقط ـ الأمراء والموظفين وملاكي