عن ساحته. ولكن هناك معلومات عن توتر وقع بين الكاهن الأكبر ، حونيو ، وملك البطالسة ، بطليموس الثالث (٢٤٦ ـ ٢٢٢ ق. م.). ورفض حونيو دفع الضريبة المستحقة عليه للملك ، وكما يبدو بتحريض من السلوقيين ، الذين وعدوه بتقديم المساعدة له إذا عاقبه البطالسة. وتحرك هؤلاء لمحاصرة حونيو ، ونصّبوا أحد أفراد عائلة طوبيا العموني الموالية لهم رئيسا للجيروشيا ، بعد أن تعهد بزيادة دخل الملك من الضرائب. ولذلك عينه الملك جابيا عاما في ولاية سورية. وكانت عائلة طوبيا ، المعروفة من أيام عزرا ونحميا ، والتي أصولها في شرقي الأردن ، حاملة لواء الهلينية في مقاطعة يوديا (يهود).
وبروز يوسف بن طوبيا في أورشليم يدل على تشكّل طبقة من التجار الأثرياء ، على علاقة وثيقة ببلاط البطالسة في الإسكندرية. وبازدياد ثراء هذه الطبقة عبر العلاقة مع السلطة ، وتبنيها عادات وتقاليد وثقافة اليونان (الهلينة) ، تشكلت وحدة مصالح سياسية بينهما في مواجهة الطبقات الأخرى ، من الفلاحين والحرفيين والتجار الصغار ، الذين راحوا يرزحون تحت عبء متزايد من الضرائب. وكان الملك هو صاحب الأرض ، والفلاحون يعملون فيها «مرابعين» ، كما كان الملك يسيطر على التجارة الدولية ، ويحتكر شراء المنتوجات ـ الزراعية والصناعية ـ الأمر الذي زاد في حدة التوتر بين الطبقات الدنيا والأخرى المتعاونة مع السلطة. وكان البطالسة أول من أدخل نظام «المقاطعة» ـ أي تضمين جباية الضرائب للمقربين من بلاطهم ، لقاء مبلغ سنوي مقطوع.
وبينما راح الشرخ الاقتصادي يتعمق بين هاتين الطبقتين ، راح الاغتراب الاجتماعي والثقافي والسياسي بينهما يتسع نطاقه ، وبالتالي يزداد التوتر حدة بينهما. فأبناء الطبقات العليا ، من علمانيين ورجال دين ، بمن فيهم الكاهن الأكبر أحيانا ، كانوا في طليعة حاملي لواء الهلينة. وكدلالة خارجية على ذلك اتخاذهم أسماء يونانية لأنفسهم ، الأمر الذي انتشر على نطاق واسع. والأكيد أنهم اختلطوا اجتماعيا بسكان المدن اليونانية ، واقتبسوا نمط حياتهم. وإذ كانت ثورة الحشمونيين بالأساس تمردا على ممارسات السلطة والظلم الواقع على العامة ، فقد اتخذت شعار العداء للهلينة وسيلة لحشد الطبقات المسحوقة حولهم. لكن الحشمونيين أنفسهم سرعان ما عادوا لتبني الممارسات التي قادوا الناس ضدها ، خلال فترة قصيرة من تثبيت أنفسهم في الحكم.
وبانخراطهم في خدمة السلطة ، واقترابهم من دوائرها وتياراتها السياسية ، راح أبناء الطبقات الثرية المتهلينة يستغلون التناقضات بين البطالسة والسلوقيين. وقد عبر