أبناء طوبيا في سلوكهم المتقلب بين القطبين ، عن نزعة هذه الطبقة لاستغلال الصراع بين البطالسة والسلوقيين لزيادة ثرائها وسلطانها. وتميّز بهذا السلوك أحد أبناء يوسف بن طوبيا الجابي ، هوركانوس ، الذي ذهب وأقام في الإسكندرية ، واقترب من بلاط الملك ، وأخيرا حصل منه على مرسوم بتعيينه جابيا ، ورئيسا للجيروشيا ، بدلا من والده ، وعلى حساب إخوته الآخرين ، الأمر الذي دفع هؤلاء للانحياز إلى السلوقيين. وشهدت الفترة الأخيرة من حكم البطالسة في فلسطين تقلبات متواترة من هذا النمط.
وعندما اعتلى أنطيوخوس الرابع (أبيفانس) عرش السلوقيين (١٧٥ ـ ١٦٤ ق. م.) ، أدخل تعديلات كبيرة على الحكم. فقد عرف أبيفانس بحماسته الشديدة لنشر الحضارة اليونانية وتكريسها. فاستغل الخلافات في أورشليم لتحويلها إلى مدينة يونانية (بولس). وبعد حملته الثانية على مصر (١٦٨ ـ ١٦٧ ق. م.) ، التي اضطر إلى الانسحاب منها بأمر من روما ، عرّج على أورشليم في طريق عودته. وكانت هذه قد تمردت على سلطانه في إثر انتشار إشاعة عن موته. فاحتل المدينة بهجوم صاعق ، ونكل بالمتمردين ، ونهب كنوز الهيكل. ولاحقا ، أصدر مرسوما يقضي بمنع اليهود من ممارسة شعائرهم وطقوسهم وعباداتهم ، على اعتبار أورشليم مدينة يونانية فقط ، ومعاقبة المخالف بالموت.
وإضافة إلى تعيين كاهن أكبر ذي ميول هلّينية قوية ، منيلاوس ، ولضمان سيطرته على أورشليم ، فقد أقام فيها مستوطنة يونانية ـ الحكرا ـ وانضم إليها يهود من أصحاب النزعة الهلينية. وبنى في المدينة «جمناسيوم» ، سريعا ما تجاوز الهيكل كبؤرة اهتمام في الحياة الاجتماعية. ثمّ حوّل الهيكل ذاته إلى معبد للإله الأولمبي زيوس (١٦٧ ق. م.) ، وأصدر أمرا بمنع عطلة السبت ، وإبطال فريضة الختان ، وأعلن عقوبة الموت على كل يهودي يخالف هذه الأوامر. وعدا زيادة الضرائب ، واللجوء إلى الأساليب التعسفية في جمعها ، طالب اليهود بتقديم الأضاحي غير الحلال ـ الخنازير ـ قربانا لسلامة الملك.
وإزاء سياسة أبيفانس ، نشبت حركة تمرد في صفوف الفلاحين وأبناء الطبقات الفقيرة المعادية لليونان وأوليائهم من اليهود. وفي قرية موديعين ـ بالقرب من اللد ـ قام متتياهو الحشموني وقتل كاهنا يهوديا لبّى الدعوة بتقديم ضحية باسم الملك ، كما قتل مبعوث السلطة ، وكسر المذبح ، وأعلن التمرد. وتحوّلت حركته هذه إلى ثورة واسعة النطاق ، حشدت قوة مقاتلة من المتطوعين الريفيين ، فخرج بهم إلى الصحراء تحاشيا للصدام مع قوة الجيش اليوناني المتفوقة. وأدار من المغاور التي أقام فيها مع