وانتهز سيدتس هذه الفرصة ، وغزا يوديا ، وحاصر أورشليم. ولم يجد هوركانوس مناصا من الخضوع الجزئي لطلبات سيدتس ، بإعادة المدن التي احتلها والده في الساحل ، وتقليص استقلاله السياسي. ومع ذلك ، وربما بضغط من روما ، توصل الطرفان إلى تفاهم ، وبالتالي إلى تحالف ، تعهد بموجبه هوركانوس أن يساند سيدتس في حربه ضد الفرثيين (١٢٩ ق. م.). لكن هذه الحملة هزت أركان المملكة السلوقية ، الأمر الذي أتاح الفرصة لهوركانوس لاستعادة استقلاله السياسي ، والتفرغ بنشاط لتوسيع الأراضي الواقعة تحت حكمه. وما عدا المدن الهلينية ، فقد استعاد معظم المناطق التي تشكلت منها مملكة داود وسليمان في حينه.
وغزا هوركانوس شرقي الأردن ، واحتل بلاد مؤاب ، بما فيها العاصمة مأدبا. ثم توجه شمالا فغزا السامرة ، واحتل شيكم ، ووصل جرزيم وهدم هيكل السمرة. ثم توجه جنوبا ، فاحتل أراضي الأدوميين ، وفرض عليهم اعتناق الديانة اليهودية. وفي ذروة نشاطه التوسعي في آخر أيامه ، وفي أيام ابنه ووارثه ، أرسطوبولوس (١٠٤ ـ ١٠٣ ق. م.) ، احتل مدنا هلينية مثل سماريا وسكيتوبولس (بيسان) ، ومن ثم الجليل ، الذي كان يسكنه الأيطوريون (عرب). وتابع هذه السياسة التوسعية ، وبصورة مغامرة ، ألكسندر يناي (١٠٣ ـ ٧٦ ق. م.) ، الذي ذهب بعيدا بمهاجمة المدن الهلينية ، وحتى الكبيرة منها ـ الديكابولس (المدن العشر الكبار). وكانت هذه طفرة الحشمونيين الأخيرة.
لقد كبح الحشمونيون السيطرة السلوقية السياسية في فلسطين ، لكنهم لم يقتلعوا التأثير الهليني الحضاري ، ولا الوجود الاستيطاني اليوناني الواسع. وعندما بادروا إلى فرض اعتناق اليهودية على شعوب البلاد الأخرى ، فقد أعطوها طابعا يهوديا في الأغلب. ولعل المثال الصارخ على ذلك هو تبني الأدوميين الجماعي اليهودية ديانة ، مع تمسكهم بالهلينية حضارة وثقافة. وإذ قامت الحركة الحشمونية على أساس مناوىء للهلينية ، إلّا إنهم سرعان ما تصالحوا مع أتباعها (الفرّيسيين) ، وراحوا هم أنفسهم يتبنون العادات اليونانية ، وحتى الأسماء الشخصية. وعندما أخذوا يحتكرون السلطتين ـ الدينية والمدنية ـ برزت معارضة من الفريسيين ، الذين مثلوا العائلات الغنية ، من معارضي الحشمونيين في البداية ، ثم تصالحوا معهم. واشتد هذا الصراع على الخصوص في أيام ألكسندر يناي (١٠٣ ـ ٧٦ ق. م.).
وكان حكم يناي فترة عاصفة من الصراعات ، داخليا وخارجيا. وقبل موته ، عين زوجته ، شلومتسيون ، وصية على الملك ، وأوصاها بالتصالح مع الفريسيين ، ففعلت. واستطاعت في بداية حكمها (٧٦ ـ ٦٧ ق. م.) أن ترضيهم وتستميلهم. أمّا في