النهاية ، فقد اندلع الصراع بين ابنيها ، هوركانوس الثاني وأرسطوبولوس الثاني ودخل الفريسيون على خط هذا النزاع ، فاجتاحت مملكة الحشمونيين حرب أهلية. وتحالف أنتيباتر الأدومي مع هوركانوس ، وسعى للتحالف مع أريتاس (الحارث الثالث) ملك الأنباط وبمساعدته غزوا يوديا ، واحتلوا أورشليم ، وحاصروا أرسطوبولوس في جزء منها. ولكن في هذه الأثناء وصل بومبي ، القائد الروماني إلى سورية ، وسارع الجميع إلى استرضائه وخطب ودّه ، طمعا في الولاية بمرسوم منه.
ب) المدن الهلنستية
شهدت فلسطين ، أسوة بغيرها من بلاد الشرق الأدنى القديم ، بعد حملة الإسكندر ، حركة استيطانية يونانية واسعة ، تركت آثارا واضحة في التركيب الديموغرافي لسكانها ، حيث تعزز العنصر اليوناني أو «المتهلين» (المعتنق للثقافة اليونانية من أبناء البلد الأصليين). فقد عقب العملية العسكرية الناجحة ، موجة من المستوطنين اليونان ـ مزارعين وحرفيين وإداريين وجنود وتجار ومثقفين وفنيين ... إلخ. وقد حمل هؤلاء معهم الحضارة الهلينية ، التي أرادوا نشرها وترسيخها. وبعد موت الإسكندر ، وانقسام إمبراطوريته بين قادته ، وقعت فلسطين تحت حكم البطالسة ، في مصر. وقد تصرف هؤلاء بحذر ، وكان همهم مصر ، أمّا في فلسطين فقد أرادوا الحفاظ على الوضع القائم ، ولم يغالوا بالاستيطان فيها ، بل سعوا للإفادة من موقعها الاستراتيجي لحماية حدود مملكتهم ، واستغلال مواردها الاقتصادية ، وخصوصا طرق التجارة فيها. في المقابل ، كان السلوقيون يعتبرون أنفسهم ورثة الإسكندر الشرعيين ، وبالتالي حملة لواء الهلينة ، التي أرادوا توحيد مملكتهم تحت رايتها. وتطلع السلوقيون إلى المستوطنين اليونان والمقدونيين لمساعدتهم في تحقيق هذه الغاية ، من جهة ، وإلى اعتناق الشعوب المحلية لمبادىء الحضارة اليونانية (الهلينة) ، من جهة أخرى. وقد اصطدمت هذه النزعة بمقاومة محلية ، كما أصابت نجاحا غير قليل ، فتركت بصماتها على المنطقة بمجملها ، ديموغرافيا وحضاريا وثقافيا ، الأمر الذي يميّز هذا العصر من غيره من العصور السابقة.
وبناء عليه ، توجه الملوك السلوقيون إلى تشجيع الاستيطان اليوناني ، بعناصره المتعددة ، وإلى نشر الثقافة اليونانية وأسلوب الحياة الإغريقي بين الشعوب الواقعة تحت حكمهم. وكانت المدن الهلنستية (بولس) هي وسيلتهم لتحقيق تلك الغاية ، فنشطوا في بنائها ، وشحنها بالسكان ـ اليونان والمتهلينين ـ الذين اجتذبوا إليها عبر الامتيازات التي منحت لتلك المدن ، من خلال الحكم الذاتي ، ورعاية المؤسسات