قبل الميلاد) متأثرة إلى حد كبير بالحضارة اليونانية. وفي اندفاعها لبناء إمبراطوريتها ، جمعت روما بين العبقرية السياسية والعسكرية ، ونمط الحياة اليوناني ، حضاريا وفكريا. وبذلك استطاعت أن تصوغ في حوض البحر الأبيض المتوسط عالما تسوده الحضارة اليونانية ـ الرومانية ، استمر قرونا متعددة.
وفضلا عن أنهم كانوا هم أنفسهم مشبعين بالثقافة اليونانية ، فإن الرومان عندما راحوا يبنون إمبراطوريتهم وجدوا أنهم يسيطرون على بلاد وشعوب تغلغلت فيها الحضارة الهلينية ، بتعبيراتها الفكرية والمؤسساتية. وعلى العكس من اليونان ، لم يبادر الرومان إلى الهجرة الواسعة من بلادهم والاستيطان الكثيف في الأراضي المحتلة ، وإنما حكموا تلك البلاد وشعوبها بالقوة العسكرية ، التي تميّزوا بها ، وكانت عنصرا أساسيا في تراثهم القديم. وبانتصارها على قرطاجنة في الحرب البونية (٢٦٤ ـ ٢٠١ ق. م.) ، ومن ثم على السلوقيين في معركة مغنيزيا (١٩٠ ق. م.) ، أصبحت روما عاملا رئيسيا في الصراع الدائر في شرق البحر الأبيض المتوسط. وبعد أن ضمت الممالك اليونانية في أوروبا ، زاد تدخلها في شؤون المملكتين السلوقية والبطلسية. وأخيرا تحرك بومبي (٦٥ ق. م.) إلى الشرق لإنهاء المملكة السلوقية.
ففي سنة (٦٥ ق. م.) ، أرسل بومبي طليعة من جيشه بقيادة سكاوروس إلى دمشق ، ثم تبعه في العام التالي ، وفي سنة ٦٣ ق. م. احتل أورشليم ، بعد أن عدل عن مهاجمة الأنباط. والاحتلال الروماني أوجد وضعا سياسيا جديدا ، وكان لا بدّ من أن يفرض حالة من الاستقرار. وواجه سكاوروس ، ومن بعده بومبي نفسه ، مشكلة السلطة في يوديا ، إذ تنافس عليها اثنان من بقايا الحشمونيين. وبينما سعى ، كل من هوركانوس وأرسطوبولوس (ابني ألكسندر يناي) ، للحصول على تعيين من بومبي للولاية في يهودا ، برز تيار ثالث ـ الفريسيّون ـ يطالب بإنهاء حكم الحشمونيين ، وإلغاء الملكية ، والاكتفاء بتعيين كاهن أكبر لرعاية شؤون اليهود الدينية والمدنية ، من دون السياسية ، بدعوى أن ملك الحشمونيين قد جلب الكوارث عليهم.
وعندما حزم بومبي أمره ، ألغى حكم الحشمونيين ، وعين هوركانوس كاهنا أكبر ، كمرتبة دينية ، وليس كمهمة سياسية. وهدم أسوار أورشليم ، وانتزاع الأراضي جميعها التي احتلها الحشمونيون في شرق الأردن والجليل والساحل ، وفصلها عن يهودا. وأعاد للمدن الهلينية التي سيطروا عليها أيام ألكسندر يناي حكمها الذاتي ، وألزم مقاطعة يهودا المقلّصة دفع الضريبة للخزينة الرومانية. وعين بومبي سكاوروس حاكما على ولاية سورية الرومانية ، التي امتدت من الفرات إلى مصر. وبعد مغادرة بومبي سورية ، لم يدخل سكاوروس أية تعديلات على الترتيبات التي وضعها القائد ،