كما لم يتدخل في الصراع الدائر بين التيارات المتخاصمة في يهودا ، بين الكاهن الأكبر هوركانوس وحليفه الأدومي المتهوّد ، أنتيباتر ، من جهة ، وحزب أرسطوبولوس ، بقيادة ابنه ألكسندر من جهة أخرى.
وفي سنة ٥٧ ق. م. ، عين غابينيوس واليا جديدا على سورية. وبادر هذا إلى ترميم المدن الهلنستية التي خربت ، وتوطين سكان جدد فيها ، وإلى تقسيم يهودا إلى خمسة ألوية منفصلة ، وتجريد الكاهن الأكبر من صلاحيات كانت في يده ، وخصوصا على صعيد السلطة المدنية. وفي هذه الأثناء ، اندلع الصراع في روما بين قادة الجيوش الكبار ، بومبي ويوليوس قيصر وأنطونيوس. فانتهز ألكسندر ، ابن أرسطوبولوس الفرصة ، وتمرد على غابينيوس ، لكنه هزم واستسلم. فهدم غابينيوس الحصون التي لجأ إليها ألكسندر ، وقسم المقاطعة إلى خمسة ألوية ، أعطيت تسمية دينية ـ سنهدريا ـ للدلالة على تجريدها من السلطة السياسية ، وهي : ١) أورشليم ؛ ٢) أريحا ؛ ٣) جيزر ؛ ٤) حماتا ؛ ٥) صفورية ، وذلك لتفتيت المقاطعة وتسهيل السيطرة عليها.
وبعد انتصار يوليوس قيصر على بومبي سنة ٤٨ ق. م. رفع يهودا إلى مقاطعة ذات حكم ذاتي (أثنارخيا) ، وضم إليها ميناء يافا على البحر ، وسمح بإعادة بناء أسوار أورشليم ، لأن هوركانوس ، وبناء على نصيحة أنتيباتر الأدومي ، وقف إلى جانبه في الصراع مع بومبي ، ودعا يهود مصر إلى مساندته. وعندما استتب الأمر ، برز أنتيباتر وابناه ، فصائيل وهيرودوس ، فأصبح الأول حاكما على أورشليم والثاني حاكما على الجليل. وبعد اغتيال يوليوس قيصر (٤٤ ق. م.) ، واندلاع الصراع مجددا ، وصل كاسيوس إلى سورية ، فمال إليه أنتيباتر وابناه ، ونشطوا في جمع المال له. وتميّز هيرودوس بالتقرب من كاسيوس. لكن هذا الأخير سرعان ما غادر سورية إلى مقدونيا ، واضطربت الأوضاع مرة أخرى. وعندما وصل أنطونيوس إلى سورية ، سارع هيرودوس وفصائيل إلى إعلان الولاء له ، فدعمهما ضد خصومهما ، الذين كانوا قتلوا والدهما ، أنتيباتر ، عبر دسّ السم له في الشراب.
وفي سنة ٤٠ ق. م. ، تقدم الفرثيون في سورية ، ووصلوا إلى فلسطين ، فانضم إليهم أنطيغونوس ، الأخ الأصغر لأرسطوبولوس ، وبمساعدتهم عزل هوركانوس عن الكهانة الكبرى ، وأسر فصائيل ، الذي انتحر. أمّا هيرودوس فقد هرب إلى روما ، واستقبل هناك على أنه الحليف المخلص لروما في يهودا ، ومنحه أكتافيوس وأنطونيوس ـ اللذان كانا انتصرا على مدبري مؤامرة اغتيال يوليوس قيصر ـ لقب ملك ، وحليف صديق لروما ، بينما أعلن أنطيغونوس عدوا لها. وكان على هيرودوس