أن ينتزع الأرض التي عين حاكما عليها ، بقرار من السينات الروماني. ففعل ذلك بمساعدة الفيالق الرومانية. وبعد هزيمة الفرثيين حسم مصير أنطيغونوس ، فألقي القبض عليه ، وأعدم سنة ٣٧ ق. م. وبذلك استتب الأمر لهيرودوس ملكا على يهودا.
أ) حكم هيرودوس (٣٧ ـ ٤ ق. م.)
هيرودوس وحكمه في فلسطين كانا من صناعة السياسة الرومانية في الشرق. فقد رأت فيه روما تابعا مخلصا ، ورجلا مناسبا لتجسيد سياستها ، التي لم يتردد لحظة في العمل على تنفيذها ، وبكفاءة عالية ، سياسيا وعسكريا. ومن خلال ملاءمة نشاطه ، شكلا ومضمونا ، مع الاستراتيجية الرومانية في الشرق ، بنى هيرودوس ذاته وبلاطه وسلطانه. فجهد على الدوام في الحفاظ على علاقة متميّزة مع مركز السلطة في روما. ومن أجل صيانة هذه العلاقة ، عمل بوسائل متعددة إلى قطع الطريق على أية منافسة محلية له على هذا الصعيد. فقضى على خصومه في الوقت الملائم ، لكن الأهم كان تفانيه في خدمة مصالح الإمبراطورية ، ودأبه أن تبقى حركته متطابقة مع الاستراتيجية العامة للمركز. في المقابل ، أطلقت روما يده في إدارة شؤونه الداخلية. ولعل أحد أهم العوامل في استتباب الحكم لهيرودوس كان الاستقرار الذي تحقق في روما بعد أن تغلب أكتافيوس على خصومه ، وكرس نفسه إمبراطورا بلا منازع. ففي أثناء هيمنة أنطونيوس على الشرق ، ساند هيرودوس بقوة ، الذي سعى بدوره لاسترضاء الأول بكل السبل. وبناء على إرادة أنطونيوس ، قاتل هيرودوس النبطيين ، ولخطب ودّه تنازل عن مزارع البلسم والتمور في أريحا لمصلحة كليوباترا ، عشيقة أنطونيوس. وبعد انتصار أكتافيوس على أنطونيوس في معركة أكتيوم (٣١ ق. م.) ، سارع هيرودوس إلى تقديم الطاعة للسيد الجديد. فقبلها هذا منه ، وأبقاه ملكا على يهودا. وبذلك استقرت علاقة هيرودوس مع روما ، إذ أثبت جدارته في نظرها ، وتغلب على خصومه المحليين.
وفي الواقع ، فإن هيرودوس بدهائه وحزمه ، أثبت جدارة فائقة في التعامل مع روما ، بالصورة التي تفي بأغراضها السياسية. وإذ أقام صلات وثيقة ومتميّزة مع المركز ، فإنه سعى على الدوام للحفاظ على علاقات جيدة مع والي سورية. وبينما تحاشى مناصبة أكتافيوس العداء ، فإنه بذل جهده لإرضاء أنطونيوس. وبينما كانت المعركة على أشدها بين القطبين ـ حليفي الماضي ـ شغل نفسه بمحاربة الأنباط ، بناء على طلب أنطونيوس ، وتحريض كليوباترا التي أرادت أن تصيب عصفورين بحجر. فقد طمعت بالسيطرة على تجارة الأنباط ، من جهة ، وتوخت إضعاف هيرودوس