ج) حكم الولاة الرومان
بعد عزل أرخيلاوس ابن هيرودوس (٦ م) ، أصبحت فلسطين مقاطعة رومانية ، جزءا من ولاية سورية ، التي لم تكن ولاية عادية. فحاكمها كان المسؤول الأول في الشرق ، نظرا إلى أهميتها الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية. وزاد في أهمية حاكمها أنه قاد المواجهة المستمرة مع الفرثيين. وحاكم المقاطعة (فلسطين) ، الذي كان يعيّنه الإمبراطور ، ويحمل لقب «بروكيوراتور» ، كان يدير شؤون البلاد الأمنية والقضائية والمالية ، ويستند إلى حاكم سورية في الدعم العسكري عند الحاجة. أمّا الشؤون الدينية لليهود فقد أودعت في يد الكاهن الأكبر ، ومعه مجلس من الحاخامات ـ سنهدرين. وفي المدن الأخرى ما عدا أورشليم ، لم تكن هناك مشكلة ، إذ كانت تتمتع بحكم ذاتي يتولى المسائل المدنية ، وخصوصا أن أغلبية سكانها كانت من غير اليهود ، أو من اليهود ذوي النزعة للاندماج في الثقافة اليونانية ـ الرومانية.
ويبدو أن الحكام الأولين في فلسطين رأوا دورهم الرئيسي إداريا ـ اقتصاديا ، ولم يحتفظوا بقوات عسكرية رومانية نظامية (لجيون) ، واكتفوا بتشكيل نوع من «الميليشيا» (أوكسيليا). وتفيد المصادر أنهم لم يتدخلوا في شؤون اليهود الدينية ، ولم يحاولوا إجبارهم على إقامة الطقوس الرومانية السارية في جميع أنحاء الإمبراطورية. وفي أيام جايوس كاليغولا (٣٧ ـ ٤١ م) ، الذي آمن بألوهيته ، طلب من رعاياه جميعهم تكريما إلهيا. وعندما أقام سكان يبنى مذبحا للقيصر ، هدمه اليهود من سكان المدينة ، فأمر القيصر بإقامة تمثال له في هيكل أورشليم. وتوتر الوضع ، وبتدخل من حاكم سورية ، بترونيوس ، تمّ تلافي سفك الدماء. وبعد موت القيصر ، تمّ إلغاء الأمر ، وخلفه كلوديوس عيّن أغريبا ، حفيد هيرودوس ، ملكا على يهودا حتى سنة ٤٤ م. وعندما مات الملك ، أعيدت يهودا مقاطعة تابعة لولاية سورية.
وبعد موت أغريبا ، أخذت العلاقات بين اليهود والحكام الرومان تسوء ، وكذلك علاقاتهم بالسكان غير اليهود ، كما حدث في قيساريا ، إذ طلب اليهود امتيازات خاصة ، لأن هيرودوس ، ملكهم ، هو الذي بنى المدينة. فأصدر الإمبراطور أمرا يخرج اليهود من عداد السكان ذوي الحقوق المدنية فيها. وشهدت هذه الفترة (٥٢ ـ ٦٠ م) توترا متزايدا مع الحاكم الروماني ، فيلكس الذي رفض تعيين الكاهن الأكبر ، يوناتان بن عنان حاكما. وفي أيام فلوريوس (٦٤ ـ ٦٦ م) تفاقم الوضع وعمّت الفوضى. ففضلا عن بروز ظاهرة أدعياء النبوة ، وأصحاب الرؤى ، فقد ساء الوضع الأمني. فلا السلطات الرومانية ، ولا المؤسسات اليهودية صاحبة الحكم الذاتي ،