استطاعت السيطرة على الفوضى والإمساك بزمام الأمور.
وقد أدّى التذمر الديني والتململ الاجتماعي الاقتصادي إلى الانفجار سنة ٦٦ م. وكان السبب المباشر للصدامات مع الجيش الروماني ، هو نهب خزينة الهيكل على يد فلوريوس. وقاد أعمال الشغب المتطرفون ، ليس ضد السلطة الرومانية فحسب ، بل ضد الطبقات اليهودية العليا أيضا ، لأنها كانت تتعاون مع الحاكم الروماني. وعندما انفجر الصراع ، دارت اشتباكات بين التيارات اليهودية المتناحرة ، كما بين اليهود وغيرهم من سكان المدن المختلطة ، مثل قيساريا وبيسان. وعندما عجزت القوات الرومانية المحلية عن التصدي للمتمردين ، جاءت قوات من سورية لأداء المهمة ، ولكنها فشلت هي الأخرى في قمع الاضطرابات التي راح نطاقها يتسع. وإزاء هذه التطورات ، أرسل الإمبراطور ، نيرون ، جيشا كبيرا إلى الشرق ، بقيادة فسبسيان سنة ٦٧ م لسحق التمرد.
ووصل قائد الجيش المجرب ، فسبسيان ومعه ابنه ، تيطس ، في ربيع سنة ٦٧ م ، إلى عكا ، وتوجه إلى الجليل الأسفل ، الذي أوكلت مهمة الدفاع عنه إلى يوسف بن متتياهو (يوسيفوس فلافيوس ـ المؤرخ). وهرب الجيش اليهودي أمام فيالق روما المدربة ، ولجأ إلى قلعة يودفات (خربة جيفات ـ الجليل الأسفل) ، وتحصن فيها. فحاصرها فسبسيان ودخلها. وهرب المدافعون ، ولجأت قيادتهم ، ومنها يوسف بن متتياهو إلى مغارة. وعندما ضاق عليها الخناق ، قرر أفرادها الانتحار ، غير أن يوسف عمد إلى الحيلة ، وسلم نفسه إلى الرومان ، بعد أن خدع رفاقه. (وقد ارتد يوسف بن متتياهو عن اليهودية ، ومنح المواطنية الرومانية لدوره في تسليم الجليل ، وغيّر اسمه إلى يوسيفوس فلافيوس ، وتفرغ لكتابة تاريخ اليهود). وعندما انتهى فسبسيان من قمع التمرد في الجليل ، بدأ يعد نفسه لاحتلال أورشليم.
وبعد سقوط الجليل وشرق الأردن الشمالي ، دبّ الصراع بين الفئات المتناحرة في أورشليم ، وتغلب المتطرفون بمساعدة الأدوميين ، من دون حسم الأمور تماما. وصبر فسبسيان على مهاجمة المدينة ، فاتحا المجال أمام القوى المتصارعة لاستنزاف بعضها بعضا ، واستكمل احتلال بقية أجزاء فلسطين وشرق الأردن الجنوبي. وفي ربيع سنة ٦٨ م ، خرج لاحتلال أورشليم ، وتقدم إلى عمواس (نيكوبولس) ، وراح يحتل أطراف يهودا ليعزل المدينة عن محيطها ، ويقطع عنها المدد ، ويزيد في تفاقم الأوضاع فيها. وعندها جاءه خبر موت الإمبراطور نيرون ، فعاد إلى قيساريا لمراقبة التطورات في روما. ثم أعلن نفسه إمبراطورا ، وعاد إلى روما ، تاركا ابنه تيطس لاستكمال المهمة.