الإفريقي ، الذي يشكل غور الأردن جزءا منه.
ويعتقد العلماء أن الإنسان الذي عمّر المواقع الأولى المعروفة في فلسطين ومحيطها هو من الجنس المعروف باسم الإنسان منتصب القامة (Homo Erectus) وهو أرقى من سلفه الإنسان الصانع (Homo Habilis) ، الذي لم تكتشف آثاره خارج إفريقيا حتى الآن بصورة مؤكدة. ويعيد الباحثون ظهور الإنسان منتصب القامة على الأرض إلى ما قبل ٠٠٠ ، ٥٠٠ ، ١ عام. وهو جنس متوسط القامة ، ذو دماغ متطور ، امتلك معرفة تصنيع مختلف الأدوات ، الحجرية والخشبية والعظمية ، ليجعل منها سلاحا ، أو ليستخدمها في قضاء حاجاته الحياتية الأخرى. وكان يصنّعها عن سابق تصوّر وتصميم ، بحيث يتلاءم شكلها مع الهدف المتوخى منها قدر الإمكان.
دلّت المخلفات الأثرية للإنسان منتصب القامة على أنه عاش على جانبي نهر الأردن ، وعند مجريي نهري الليطاني والعاصي في لبنان وسورية ، كما في مواقع أخرى بعيدة مثل الأزرق في الأردن ، وكذلك في موقع بردا بلكا في العراق. وفي سورية ، عثر على آثار هذا الإنسان في ست مرخو ، عند مصب النهر الكبير الشمالي ، واللطامنة في مجرى نهر العاصي عند حماة ، وفي القرماشي ويبرود والكوم. وفي لبنان ، وجدت آثاره في موقع جب جنّين ، في البقاع ، وبين صور وصيدا على الساحل. أمّا في فلسطين ، ففضلا عن موقع العبيدية ، وجدت آثاره في جسر بنات يعقوب ، وعلى مقربة من بحيرة الحولة ، وفي وادي قطفة في الجنوب ، كما في مغارة الطابون في جبال الكرمل ، وغيرها على الساحل.
ويعيد العلماء الطبقات الأثرية السفلى في موقع العبيدية إلى نحو مليون عام ، وهم يميزون بين مرحلتين في التراكمات التي غطتها المياه لاحقا : الأولى ، وهي تشبه الطبقة الثانية في أولدوفاي (Olduvai) ـ تنزانيا ، وأدواتها على العموم من البازلت ؛ والثانية ، تنتمي إلى حضارة أبيفيل (Abbeville Culture) في فرنسا ، وأدواتها من الشظايا الحجرية. وتوحي المخلفات البشرية والبقايا الحيوانية من موقع العبيدية ، وكذلك من امتداده شمالا وجنوبا ، بعلاقة حضارية بدائية مع إفريقيا ، تمحورت في غور الأردن ، وانتشرت على جانبيه ، شرقا وغربا ، فوصلت إلى شاطىء البحر غربا وإلى الأزرق في الأردن شرقا.
واستخلص بعض الباحثين ، استنادا إلى ما تمّ اكتشافه من مخلفات بشرية وبقايا حيوانية ـ يعيدها البعض إلى ما قبل مليون عام مضى ـ أن الجسر البري ، الذي يشكل الطرف الجنوبي الغربي للهلال الخصيب ، كان الممر الذي عبرت منه طلائع الإنسان الأولى من إفريقيا إلى آسيا وأوروبا ، ربما إلى جانب ممرات أخرى في الغرب