والشرق. وعدا كون هذه المكتشفات توحي بأصول إفريقية ، فإنها في سورية الكبرى تتشابه في الصفات وفي تقنيات التصنيع ، التي يقسمها البعض إلى ثلاث مراحل قديمة جدا هي : الكلاكتونية والأشولية والتياسية ، ومنهم من يجمعها في الأشولية.
وتبقى معرفتنا بحياة الإنسان في هذا العصر الحجري الموغل في القدم ضئيلة. وهي أقرب إلى الفرضيات منها إلى الحقائق الملموسة ، وتتلاءم ضآلتها طردا مع طول الفترة الزمنية التي يغطيها هذا العصر. والاعتقاد السائد هو أن هذا الإنسان البدائي عاش متنقلا ، يجمع قوته مما توفره الطبيعة ويصارع ، على ضعفه ، ليبقى في قيد الحياة ، ويستعين بتطور دماغه ليعوض من هشاشة بنيته الجسدية بالنسبة إلى عالم الأحياء المحيط به. ويعثر على آثاره منتشرة على سطح الأرض ، وفي جوفها ، كما في بعض الملاجىء والمغاور. لكنه بمرور الزمن أصبح أكثر قدرة على التحكم في مصيره في مواجهة عوامل الطبيعة ، فراح يصنع أدوات صيده ، ويعمل ذهنه في ابتداع السبل لضمان أمنه ووقاية جسده ، والدفاع عن نفسه وتوفير مقومات حياته ، في إطار الجماعات الصغيرة التي تشكلت بالتكاثر عبر الزمن.
وعلى الرغم من ضآلة المعلومات عن هذا العصر الطويل ، وانحصار المواقع المعروفة منه أصلا في الانهدام السوري ـ الإفريقي. (مجاري أنهار الأردن والليطاني والعاصي) وبنسبة أقل في الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط ، فإنها تؤكد أهمية هذا العصر في تطور الجنس البشري. فالإنسان منتصب القامة (هومو إركتوس) كان أول الأجناس البشرية ذات الدماغ الكبير التي احتلت الشرق الأدنى القديم بالتدريج ، وعاش متنقلا في أودية الأنهار والمناطق الساحلية ، وكان أول من تكيف وفق المناخ المعتدل والمناخ البارد.
ولا يزال الموطن الأصلي لهذا الإنسان غير معروف على وجه التأكيد ، مع وجود مؤشرات إلى إفريقيا. وهناك مسائل كثيرة ، مثل بنيته الجسدية ، أو حضارته المادية ، لا تزال من دون حلول مرضية في هذه المرحلة من تطور البحث العلمي في هذا المجال. ولكن الأكيد أنه وقع في نهاية هذا العصر ، أي قبل نحو ٠٠٠ ، ١٠٠ عام ، تطور تقني مهم في جميع أنحاء الشرق الأدنى ، يبرز في التجهيز المادي لهذا الإنسان ، وفي تطوير أساليب صيده ، وتنظيم مواقع سكنه ، وفي ابتكار وسائل إشعال النار واستخدامها لمصلحته.