مهم على حدود الإمبراطورية ، سواء تجاه الفرثيين ، أو القبائل العربية المتنقلة. وقد سيطر الأنباط على جنوب فلسطين ، وخصوصا على طريق التجارة المؤدي إلى غزة عبر النقب ، في أراضي الأدوميين ، إذ إن البتراء كانت حلقة مركزية في التجارة الدولية بين البحرين ـ المتوسط والعربي ـ وكذلك بين الجزيرة العربية وبلاد الشام. وامتد سلطانها في ذروة قوتها ليضم شرقي الأردن كله إلى تخوم دمشق ، كما وصل جنوبا إلى شمال الجزيرة العربية. وفي مراحل معينة وسعت البتراء نفوذها في فلسطين ، وصولا إلى محاصرة أورشليم عشية حملة بومبي الروماني عليها. وطمعا في السيطرة على تجارتها ، حاربها البطالسة والرومان ، إلى أن قضى عليها تراجان (١٠٦ م) ، وضمّها إلى أراضي الإمبراطورية ، باسم «الولاية العربية».
وبعد هبوط البتراء برزت تدمر (بالميرا) كمركز للتجارة الدولية بين الشرق والغرب ، وازدهرت نتيجة التطورات الجديدة ، التي أدّت إلى تحوّل في طرق التجارة ، وخصوصا بعد احتلال الفرثيين لبلاد ما بين النهرين. واستفادت من ذلك تدمر ، الواقعة وسط الصحراء السورية ، على واحة تتوفر فيها المياه ـ العذبة والكبريتية. وتدمر مدينة قديمة ، يرد ذكرها من أيام تغلات بلّيسر الأول نحو سنة ١١٠٠ ق. م. وقد حاول أنطونيوس نحو سنة ٤٢ ق. م. احتلالها والاستيلاء على ثرواتها ، لكنه فشل. غير أنها ، ولأسباب موضوعية ، دخلت في منطقة النفوذ الروماني في عصر الإمبراطورية ، ووصلت ذروة ازدهارها في الفترة (١٣٠ ـ ٢٧٠ م) ، إذ أصبحت فعلا وارثة البتراء. وكمملكة حدودية ، حاولت تدمر توسيع نفوذها ، مستفيدة من الصراع بين الرومان والفرس. وإذ نجحت لفترة ، ضمن تضافر أوضاع مواتية ، فإنها في نهاية الأمر ذهبت ضحية الانخراط في لعبة القوى الكبرى ، إذ لم تتوفر لها الشروط ، الذاتية والموضوعية ، للقيام بدور كهذا.
لم تكن تدمر معروفة بنشاطها العسكري ، ولكنها اشتهرت بتجارتها ، وذلك بفضل موقعها. ولما تولى الملك فيها أذينة (النصف الثاني من القرن الثالث الميلادي) ، كانت تدمر تمتلك قوة عسكرية ، من خلال تحالفاتها مع القبائل العربية الواقعة في منطقة نفوذها بعد أن دخلت حلبة الصراع بين روما وفارس كدولة حدودية. واستطاع أذينة سنة ٢٦٠ م أن يهزم شابور الأول ، الشاه الإيراني الذي احتل سورية ، وأسر الإمبراطور الروماني فاليريان. وبذلك فرض نفسه قوة لا يمكن تجاهلها في الشرق ، فعينته روما نائبا للإمبراطور في الشرق ، لكنها سرعان ما عملت على التخلص منه غيلة سنة ٢٦٦ م. فخلفته زوجته الزباء (زنوبيا) الشهيرة ، وتحدت روما وحققت انتصارات باهرة ، لكنها في نهاية الأمر هزمت على يد الإمبراطور