خيبر سنة ٧ ه ، وبعدها مباشرة فدك ، ثم وادي القرى وتيماء ، وكلها قرى يهودية ، استسلمت للرسول (ص) ، فعقد معها صلحا بشروط محددة ، تسمح لأهلها الحفاظ على ديانتهم وشعائرهم لقاء جزية يدفعونها سنويا ، في مقابل الحماية التي يتمتعون بها في ظل «دولة الإسلام».
ومع أن اهتمام الرسول (ص) ببلاد الشام لم تكن له ترجمة عملية تذكر في حياته ، فقد ورثه عنه خلفاؤه ، وسارعوا بعد وفاته إلى تنفيذ وصيته. وفي حياته أنفذ الرسول (ص) ابنه (بالتبنّي) ، زيد بن حارثة إلى الشام ، فوصل مؤتة ، واصطدم سنة ٨ ه بمقاومة عنيفة من تجمع القبائل العربية هناك ، ودارت معركة خسرها المسلمون ، واستشهد فيها زيد ، وكذلك جعفر (ذو الجناحين) ابن عم الرسول (ص). وبعد مؤتة ، بعث الرسول (ص) عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل ، إلى قبائل بلي وعذرة وبلقين ، يدعوها إلى الإسلام. وكانت أم عمرو بلوية ، وقصد الرسول الإفادة من صلة رحم البلويين لعمرو. ثم قاد النبي (ص) نفسه أكبر غزوة جهزها في حياته إلى تبوك سنة ٩ ه وقد لقي صعوبات جمة في تجهيز الحملة ، فسماها لذلك «جيش العسرة». وجاءه في تبوك حاكم أيلة (العقبة) من قبل البيزنطيين ، يوحنا بن رؤبة ، ثم جاءت وفود جربا ومقنا وأذرح ، وسكانها من نصارى العرب ، فكتب لهم الرسول (ص) كتبا ، وصالحهم على دفع الجزية ، وأعطاهم الأمان واعتبرهم «ذمة الله ورسوله».
وبعد وفاة الرسول (ص) (١١ ه / ٦٣٢ م) ، والقضاء على حركة الردّة في خلافة أبي بكر الصديق ، بدأت عملية الفتوحات ، التي انطلقت بسرعة البرق الخاطف ، فقضت على إمبراطورية الفرس ، وحجّمت بيزنطة إلى الحدود الدنيا. فغداة قمع الردّة ، دانت الجزيرة العربية لسلطة الخليفة في المدينة ، وأصبحت قاعدة آمنة للإسلام ، انطلق منها ـ بالطاقة البشرية التي وفرتها ، تحت لواء الإسلام ، وقيادة قريش والصحابة الأولين ـ لتحقيق فتوحات واسعة النطاق. وقد استهدفت العمليات العسكرية الأولى القبائل العربية في بلاد الشام وتخوم العراق ، لضمها تحت لواء الإسلام ، وتجنيدها في عملية الفتوحات التي راحت تتطور وتتقدم من نصر إلى نصر. وإذ تحرك الجيش العربي الأول من الجزيرة بقيادة خالد بن الوليد إلى تخوم العراق (غرب الفرات) ، فإن المعارك الحاسمة الأولى وقعت في بلاد الشام مع البيزنطيين ، وبداية في فلسطين ، ومن ثمّ انتقلت إلى مصر والعراق (شرق الفرات).
وتجدر هنا الإشارة إلى أن معلوماتنا عن مسار حركة الفتوحات في بلاد الشام عامة ، تستند بالأساس إلى مصادر أولية عربية ، كتبت بعد نحو ٢٠٠ عام من تاريخ الأحداث ، وقد تمّ تناقلها شفويا وكتابة خلال هذه المدة الطويلة. ولا ضير في ذلك