ففي أيام الوليد بن عبد الملك ، أقوى خلفاء بني أمية ، أقيمت أجمل العمارات وأفخمها ، وفي النواحي جميعها من الديار الإسلامية. وهذه الديار بلغت في أيامه ذروة اتساعها ، إذ وصلت بفعل نشاط الحجاج بن يوسف الثقفي إلى حدود الصين في الشرق ، وإلى الأندلس في الغرب ، بفعل نشاط موسى بن نصير (الذي يعود نسبه إلى آل نصير ، وهم من سبي الخليل ، أعتقهم الأمويون ، فصاروا من مواليهم).
وفي أيام الوليد ، ولي فلسطين أخوه وولي عهده ، سليمان بن عبد الملك. فاختطّ فيها مدينة الرملة ، بالقرب من اللد ـ عاصمة الجند ، ونقل عاصمته إليها ، وبنى فيها قصرا ومسجدا وحفر آبارا وبنى قنوات تجر إليها المياه ، فانتقل إليها الناس من بعده ، فعمرت الرملة على حساب اللد. وبقي سليمان فيها ، حتى عندما أصبح خليفة ، إذ لا هو أحب الشام ، ولا أهلها أحبوه. وفي نواحي فلسطين المتعددة ، أقام الأمويون ، أسوة بالغساسنة ، القصور والمشاتي في أطراف البوادي وغور الأردن ، للاستراحة والاستجمام والصيد واللهو. فبالقرب من بحرية طبرية ، أقام معاوية المشتى الجميل ، ونزله ابنه يزيد. وأقام الوليد قصر عمرة الفاخر بالقرب من البحر الميت ، كما بنى هشام قصرا له في أريحا ، وغير ذلك كثير في سورية والأردن والجزيرة.
وتميّزت هذه القصور بفنها المعماري الجميل ، الذي مزج بين التراث البيزنطي والشرقي العربي.
ثالثا : العصر العباسي
بسقوط الدولة الأموية ، وقيام الدولة العباسية على أنقاضها ، فقدت بلاد الشام ، ومعها فلسطين ، مجدها. لقد انتقل مركز الخلافة إلى الشرق ـ العراق ـ وتحوّل المركز السابق إلى ولاية مغمورة ، همّ السلطة الجديدة اقتلاع كل مظاهر سؤددها الماضي ، وقمع كل محاولة لاستعادة شيء منه. ولأن بلاد الشام كانت عضد الأمويين ، وحتى في ساعة محنتهم ، فقد قسا عليها العباسيون ، وعملوا على تحطيمها ، وضرب القاعدة المادية والبشرية التي استند إليها الأمويون. فحتى آخر أيامهم ، ولأسباب ذاتية وموضوعية ، ظل الأمويون متمسكين بمشروعهم في ميراث الدولة البيزنطية ، وجعلوا بلاد الشام قاعدة انطلاقهم لتجسيد هدفهم المركزي ، بينما رأوا في بقية الولايات ، بما فيها القطبين التقليديين في الشرق ـ مصر والعراق ـ موارد مداخيل تسخّر في خدمة الهدف الذي تقوده بلاد الشام. وبسقوط بني أمية سقط مشروعهم ، وبالتالي فقد تدهورت أوضاع قاعدة ذلك المشروع ـ بلاد الشام.
وبقيام دولة العباسيين تغيّر المشروع ، شكلا ومضمونا ، فتبدلت القاعدة وتغيّرت