استسلمتا طوعا له ، وحتى القدس فاوضته على الصلح. أمّا الإمبراطور بازل الثاني (٩٧٦ ـ ١٠٢٥ م) فقد عقد صلحا مع الحاكم بأمر الله الفاطمي. وفي سنة ١٠٠٩ م ، أمر الحاكم بهدم كنيستي القيامة والصعود في القدس. وقد أعيد بناؤهما بعد موته ، كما ألغيت المراسيم التي أصدرها ضد المسيحيين ، كما يذكر بطريرك القدس ، نيسفوروس سنة ١٠٢٣ م.
وخلال القرن الحادي عشر الميلادي ، عادت الإمبراطورية البيزنطية لتشهد مرحلة من الهبوط. ومرة أخرى ، تضافرت الصراعات الداخلية مع هجوم من الخارج (السلاجقة) لتضييق الخناق على الإمبراطورية. وفي ساعة الشدة ، توجّه الإمبراطور البيزنطي إلى طلب المساعدة من أوروبا الغربية. وبدأت الحملات الصليبية في نهاية ذلك القرن. والإمبراطورية التي صمدت عبر القرون أمام الهجمات من الشرق والغرب ، راحت بعد الحملات الصليبية ، وبسببها ، تفقد عناصر صمودها ـ ماديا ومعنويا. وفي المقابل ، أصبحت الخلافة الإسلامية حالة اسمية فقط ، وأرضها مقسمة بين عدد من الإمارات والسلطنات في الشرق كما في الغرب. وكانت بلاد الشام عشية تلك الحملات تشهد حالة من التدهور ، وعلى جميع الصعد ، شكّلت عاملا أساسيا في تسهيل احتلالها على يد الفرنجة.
رابعا : العصر الفاطمي
منذ بداية القرن العاشر الميلادي (٩٠٩ م) ، كان الفاطميون قد أسسوا حكمهم في القيروان (تونس). وكان سعيد بن الحسين ، مؤسس السلالة الفاطمية ، قد طرد آخر الأغالبة من القيروان ، وأعلن نفسه الإمام عبيد الله المهدي ، وبالتالي البديل للخليفة العباسي في الشرق ، والأموي في الغرب. وخلال فترة قصيرة ، بسط سلطانه على الساحل الإفريقي الشمالي ، من حدود الإدريسيين في المغرب ، وحتى حدود الإخشيديين في مصر. وفي سنة ٩١٤ م ، احتل الإسكندرية. وخلال أكثر من خمسين عاما ، ظل مجال النشاط الفاطمي محصورا في الجزء الغربي من البحر الأبيض المتوسط ، بشاطئيه ـ الشمالي والجنوبي. وقد استند الفاطميون ، في نشاطهم هذا ، إلى أسطول بحري قوي.
وفي أيام المعز لدين الله (أبو تميم معد) ، الذي تولى الخلافة (٩٥٢ ـ ٩٧٥ م) ، غزا أسطول الفاطميين سواحل إسبانيا (٩٥٥ م) ، في أيام الخليفة الأموي الناصر (عبد الرحمن الثالث) ، الذي حكم في الفترة (٩١٢ ـ ٩٦١ م). فرد الناصر القوي بغزوة مضادة على أجزاء من شمال إفريقيا. وبعد صدامات غير حاسمة بين الفاطميين