جرى التخلي عنه سريعا وإصلاح نتائجه. وكذلك ، فالحجاج المسيحيون إلى القدس وغيرها ، ظلوا يقدمون من دون عقبات تذكر. ويلفت النظر أن قوافل الحجاج في القرن الحادي عشر ، راحت تتخذ صيغة مغامرات دينية وتجارية وعسكرية في آن معا. وتفيد المصادر أن السلاجقة زادوا في مضايقة هؤلاء الحجاج في طريقهم إلى فلسطين عبر القسطنطينية. وفي الإمكان تشبيه هذه القوافل برحلات قريش التجارية قبل الإسلام. وكما أفاد المسلمون من الخبرات التي تراكمت لديهم في حركة الفتوح ، هكذا أفاد قادة الحملات الصليبية من الخبرات التي اكتسبت عبر قوافل الحجاج.
ومنذ القدم كانت تجارة البحر الأبيض المتوسط موضوع علاقات بين الشعوب الواقعة على سواحله ، أو حروب بينها. والقسطنطينية كانت قبل الفتح العربي تهيمن على هذه التجارة ، فانتزعها العرب منها ، لكن العلاقات التجارية ظلت مستمرة. والاعتبار التجاري بين إسبانيا والهند عبر مصر ، كان من الأسباب التي دفعت الفاطميين إلى نقل عاصمتهم إلى القاهرة ، كما جعلتهم يتشبثون بالمدن الساحلية على الشاطىء الشرقي للبحر الأبيض المتوسط. في المقابل ، تشبث البيزنطيون بأنطاكيا كمحطة أخيرة لتجارة الشرق الأقصى عبر طريق الحرير. وفي القرن الحادي عشر ، نشطت المدن الإيطالية ـ فينيسيا وجنوة وبيزا ـ التي قامت على التجارة البحرية بالاعتماد على أساطيلها ، فكانت بينها وبين الفاطميين صدامات في شمال إفريقيا وجزر البحر الأبيض المتوسط. وانخرط النورمان في هذا الصراع ، فاحتلوا صقلية. وفي سنة ١٠٨٢ م عقد الإمبراطور ألكسيوس كومنينوس اتفاقا مع فينيسيا (جمهورية سان مارك) ، فتح أمامها المراكز البيزنطية للتجارة ، فأصبحت مصالحها حافزا قويا لها على الانخراط في الحملات الصليبية ، وخصوصا عبر أسطولها ، الذي أدّى دورا في نقل المحاربين الصليبيين إلى الشرق.
أ) الحملة الأولى
لقد طلب إمبراطور بيزنطة مساعدة عسكرية هي جيش من المرتزقة للدفاع عن عاصمته. ولم يفكر في مسيحيي الشرق ، ولا في الأماكن المقدسة في فلسطين ، إذ غابت هذه المسألة عن أذهان أباطرة بيزنطة منذ زمن طويل. وجاء الرد الأوروبي غير متوقع ، حملة صليبية ، الأمر الذي أربك الإمبراطور ، طالب المساعدة ، ووضعه في موقف حرج إزاء ما يجب عمله. ففي كليرمونت (وسط فرنسا) عقد المجمع الشهير في تشرين الثاني / نوفمبر ١٠٩٥ م ، حيث ألقى البابا البليغ أربان الثاني ، خطابا حماسيا ألهب المشاعر الدينية لجماهير غفيرة تجتاحها العواطف الدينية. وانتهى إلى