الدعوة إلى حمل السلاح «لحماية المسيحيين في الشرق من الاضطهاد ، وتحرير كنيسة القيامة والمسيحية الشرقية عامة.» وتعالت الصرخات العفوية «هذه إرادة الله» ، واندفع الناس نحو البابا مؤيدين دعوته. ووعد هؤلاء بمحو الخطايا والإعفاء من الديون وحماية الممتلكات ورعاية الأسر في أثناء الغياب. لم يكن هناك إلزام ، لكن التراجع غير مقبول ـ المرتدون سيحرمون من الكنيسة. ومن فرنسا انتشرت الحماسة إلى بقية أجزاء أوروبا. لقد كانت فرنسا السبّاقة ، فأعطت الحملات اسمها ـ حملات الفرنجة.
وفكرة الحملة الصليبية كانت غريبة على بيزنطة ، قمة وقاعدة شعبية على حد سواء. فقد كان الهم الوحيد لديها مواجهة الخطر السلجوقي. وبيزنطة نظرت إلى الصليبيين بارتياب وازدراء ، ورأت فيهم برابرة ، شأنهم في ذلك شأن السلاجقة الذين يهددون الإمبراطورية من الشرق أو قبائل السلاف من الشمال الشرقي. وزاد في اقتناعهم بهذا المنظور طلائع الحملة الصليبية الأولى ، التي قادها الراهب بيتر (من أميين). فقد بادر هذا بعد مجمع كليرمونت بحماسة شديدة إلى حشد المقاتلين من الفلاحين الفقراء والطبقات الرثة من المدن واللصوص والمتسولين وصغار الفرسان المغامرين. وتحركت هذه الجموع من دون تدريب أو تموين أو قيادة حقيقية ، أو حتى سلاح. وفي طريقها من فرنسا إلى ألمانيا ـ هنغاريا ـ بلغاريا ـ القسطنطينية ، عاثت فسادا ، جعل السكان على طول الطريق يهاجمونها. وعندما اقتربت من القسطنطينية ، وكانت سمعتها السيئة قد سبقتها ، سارع الإمبراطور المعروف بدهائه إلى نقلها عبر المضيق إلى شاطىء آسيا الصغرى ، حيث تركها طعمة لسيوف السلاجقة في سلطنة روم ، لأنها لم تتجاوز حدودها.
وتركت حملة بيتر آثارا سلبية على الجانبين. فسلوكها الفوضوي على طول الطريق إلى القسطنطينية أثار ردات فعل عنيفة ضدها من قبل سكان المناطق التي مرت بها ، ووقعت بين الطرفين اشتباكات دموية. وفي القسطنطينية ، سارع الإمبراطور إلى نقل أفرادها إلى آسيا الصغرى من دون إعداد ، فوقعوا فريسة سهلة في أيدي السلاجقة. وفي الجانب الآخر ، أدّت السهولة التي تمّ فيها القضاء على هذه الحملة إلى اقتناع السلاجقة بالقدرة على سحق الحملات الصليبية اللاحقة ، ما دام هذا هو طرازها ، فلم يتخذوا الاستعدادات اللازمة لمواجهة الخطر الداهم. وعندما جرت المواجهة الحقيقية ، كان النصر حليف الصليبيين ، كونهم أخذوا كل إمارة سلجوقية على حدة. وفي الواقع ، فإن نجاح الصليبيين بصورة عامة كان نتيجة مباشرة لحالة التدهور السياسي التي عاشها الشرق الإسلامي في حينه.
وفي صيف سنة ١٠٩٦ م ، أي بعد مرور عام على مجمع كليرمونت ، وبعد فناء