البلاد وداخلها. وفي الواقع ، فإنهم حتى قبل دخول القدس كانوا قد قطعوا شوطا على هذا الصعيد. وكانت بيت لحم قد استسلمت ، وكذلك فعلت أريحا ونابلس ، عندما استولى تانكرد ، قريب بوهيمند ، على طبرية وبيسان ، وجعل طبرية عاصمة لإمارة الجليل ، التي لم تعمّر طويلا. وبعد أن سيطروا على الداخل ، وجد الصليبيون أنفسهم في موقف حرج ، ذلك لأن الساحل لم يكن بأيديهم ، الأمر الذي عزلهم عن أوروبا ـ مصدر تزويدهم بالعتاد والمؤن والرجال والخيل والمال. وصحا الفاطميون على هذه الحقيقة ، ولو متأخرا ، وحاولوا استغلال هذا الواقع ، لكنهم لم يفلحوا كثيرا ، في غياب النية الجادة ، بل القدرة العملية ، على اقتلاع الصليبيين من الشرق. لقد كانت أولوية الفاطميين تتمحور حول الصراع الداخلي والتنافس مع السلاجقة ، فسعوا للتفاهم مع الصليبيين. وبذلك فوتوا على أنفسهم فرصة جيدة لاجتثاث الخطر الصليبي في المهد ، وهو يعاني حالة الضعف والعزلة.
وعندما حاول الفاطميون مواجهة الصليبيين ، هزموا في معركة برية بالقرب من عسقلان في آب / أغسطس ١٠٩٩ م ، انتقل بعدها الصليبيون لاستكمال احتلال مدن الساحل : فسقطت يافا ، بعد أن هجرها سكانها ، وتحولت إلى الميناء الرئيسي الذي عبره جرى تزويد المملكة الجديدة بوسائل الحياة من أوروبا. وفي هذه الأثناء مات غودفري ، واحتل مكانه أخوه بولدوين ، الذي انتقل من إديسا إلى القدس. وباعتلائه عرش المملكة ، تحرك بنشاط كبير. وخلال عشر سنوات أصبحت أغلبية مدن الساحل في يده ، الأمر الذي مكّن أساطيل المدن الإيطالية التجارية من التصدي للأسطول الفاطمي القوي ، والحؤول دون تمكنه من إقامة رأس جسر على الساحل لمقاتلة المملكة اللاتينية. وفي المقابل ، تعهدت تلك الأساطيل بنقل أنواع الدعم اللازم جميعها لهذه المملكة ، التي لا تزال في طور التكوين ، من أوروبا ، لقاء امتيازات تجارية تمنح للمدن الإيطالية في مدن الساحل السوري التي تقع في أيدي المملكة. وبمساعدة أساطيل المدن الإيطالية ، جرى احتلال مدن الساحل ، وبالتالي إقامة الصلة مع الإمارات الأخرى في الشرق ـ أنطاكيا وطرابلس. ففي آب / أغسطس ١١٠٠ م سقطت حيفا ، وكان ميناؤها يضم دارا لصناعة السفن ، أقامه الفاطميون. وبعدها أرسوف في نيسان / أبريل ١١٠١ م ، ثم قيساريا في السنة نفسها. أمّا عكا فصمدت بفضل أسوارها القوية إلى أيار / مايو ١١٠٤ م. وبقيت بيروت حتى سنة ١١١٠ م ، وكذلك صيدا. أمّا صور فقد قاومت حتى سنة ١١٢٤ م ، الأمر الذي اضطر الصليبيين إلى إقامة قلعتين للدفاع عن الطريق المؤدي منها إلى الداخل : الأولى في تبنين (١١٠٧ م) ، والثانية إسكندرون (١١١٦ م). أمّا عسقلان ، فقد ظلت قاعدة