اقتسام خراج الأرض ، فكان للصليبيين الثلث. وأقاموا في هذه الناحية عدة حصون ، منها البردويل (على اسم بولدوين) وحبيس جلدك وبانياس (١١٢٩ م). وكانت بانياس ذات أهمية لموقعها الذي يهيمن على الطريق بين دمشق ومينائها الطبيعي ـ صور. فلذلك استردها حكام دمشق سنة ١١٣٢ م ، وعاد الصليبيون فانتزعوها منهم سنة ١١٤٠ م. وفي الجنوب ، توسعوا في أدوم ومؤاب ، واحتلوا أيلة (العقبة) سنة ١١١٣ م. وفي شرقي الأردن ، سيطروا على وادي موسى (١١٠٧ م) ، وبعده أخذوا الشوبك (١١١٣ م) وبنوا فيها حصن مونتريال. وأخيرا استولوا على الكرك (١١٤٢ م) ، وحصنوها ، وبذلك سيطروا على تقاطع الطرق الاستراتيجي بين سورية وكل من مصر والجزيرة العربية (طريق الحج).
والحملة الصليبية الأولى ، التي انتهت بتأسيس مملكة أورشليم اللاتينية ، وعدة إمارات أخرى ، أهمها ثلاث ـ أنطاكيا وإديسا وطرابلس ـ أوجدت مشكلة معقدة الجوانب ومتعددة الأطراف في الشرق. فإضافة إلى الخلافات بين هذه الكيانات ، على التراتبية الإقطاعية والموارد والتجارة والأراضي .. إلخ ، فقد تفاقمت علاقاتها مع بيزنطة ، من جهة ، ومع الفاطميين والسلاجقة ، من جهة أخرى ، بسبب نزعتها التوسعية العدوانية. وبداية أدارت هذه الكيانات ظهرها إلى بيزنطة ، ولم تعترف بسيادة الإمبراطور عليها ، كما أنها اعترفت بقيادة اسمية فقط لملك أورشليم. وفي خضم هذا الصراع ، تبدلت التحالفات بين عشية وضحاها ، فأصبح حلفاء الأمس أعداء اليوم ، أو العكس. وكان الأخطر على بيزنطة إمارة أنطاكيا ، التي شكّل حكامها النورمان عنصر توتير مستمر ، سواء مع بيزنطة ، أو مع السلاجقة ، عبر مغامراتهم التوسعية. وانحازت إمارة طرابلس إلى بيزنطة ، وهذه الأخيرة تحالفت أحيانا مع بعض السلاجقة ضد أنطاكيا ، التي بدورها تحالفت مع البعض الآخر من السلاجقة ضد بيزنطة وحلفائها. والتطورات التي عقبت هذه الحملة نفت عنها كل سمات بدايتها كحملة صليبية هدفها المعلن تخليص الأماكن المسيحية المقدسة من أيدي المسلمين.
ب) الحملة الثانية (١١٤٦ ـ ١١٤٩ م)
إن الصراعات بين الكيانات الصليبية ذاتها ، وبينها وبين الإمبراطورية البيزنطية ، جعلت الفرصة مهيّأة أمام السلاجقة لاستعادة الأراضي التي خسروها. وفي مغامراته العسكرية ، وقع بوهيمند أسيرا في يد القائد أمير مالك غازي ، من سلالة دانشمند التركية. ولاحت أمام الإمبراطور (ألكسيوس) فرصة لانتزاع أنطاكيا منه. وجرى