الرابع (المجذوم) ، فرجع إلى القاهرة ليبدأ من جديد.
وعاد صلاح الدين (١١٧٩ ـ ١١٨٢ م) إلى قتال الصليبيين ، محاولا مهاجمتهم برا وبحرا. وبينما حاول أسطوله فرض حصار على الساحل ، قام جيشه بهجمات سريعة على الشوبك والجليل وبيسان وبيروت. لكن الصليبيين تمكنوا من إلحاق الهزيمة به في معركة الطيبة (١١٨٢ م). ومع ذلك ، ثابر صلاح الدين في حربه معهم من دون هوادة. وانتهز فرصة الهجوم على قافلة من الحجاج ، كانت أخته فيها ، قام بها أمير الكرك رينالد دو شاتيون ، الذي أتبع ذلك بمحاولة مغامرة لاحتلال أيلة ، وركوب البحر الأحمر إلى مكة والمدينة ، ودخل صلاح الدين أراضي مملكة أورشليم مرة أخرى. فاحتل بيسان ، ثم زرعين ، وفرض حصارا على الكرك ، واحتل نابلس والسامرة ومرج ابن عامر ، ثم فرض حصارا على طبرية. وتجمع الصليبيون في صفورية لفك الحصار عن طبرية ، فالتقوا جيوش صلاح الدين في حطين (١١٨٧ م) ، حيث ألحق بهم هزيمة ساحقة ، وأخذ الكثيرين من أمرائهم ، بمن فيهم ملك أورشليم ، أسرى. وبذلك سقطت المدن والحصون والقلاع في يديه من دون مقاومة ، بما فيها القدس. ولم تبق في أيدي الصليبيين إلّا مدينة صور ، التي أنقذها كونراد دو مونتفرات ، فأصبحت مركز حشد للفرنجة. وطوال الأعوام التسعين اللاحقة تقريبا ، ارتبط تاريخ الأيوبيين بالصليبيين وقتالهم ، فكانت فلسطين في قلب ذلك التاريخ ، وشهدت صعود صلاح الدين والتحرير ، كما واكبت هبوط ورثته من بعده ، وما رافق ذلك من صراعات دامية.
ج) الأوضاع الاقتصادية ـ الاجتماعية
بعد الحملة الصليبية الأولى ، وتأسيس مملكة أورشليم اللاتينية ، انتعشت البلاد اقتصاديا ، بعد الخراب الذي لحقها جراء الفوضى السياسية أيام السلاجقة والفاطميين. وانسجاما مع الأهداف الاقتصادية للحملات الصليبية ، تحوّلت فلسطين ، بسبب موقعها الجغرافي ، من جهة ، ونشاط المدن الإيطالية ، من جهة أخرى ، إلى مركز للتجارة الدولية بين الشرق والغرب ـ من الصين إلى أوروبا. وقد أدّت «الكومونات» الإيطالية ، ذات الخبرة الواسعة بشؤون التجارة والتي تملك رأس المال والأساطيل ، دورا مركزيا في هذا التطور. وفي أيام صلاح الدين ، وكذلك في أيام العادل والكامل من بعده ، ازدهرت التجارة ، وتطورت الزراعة والصناعة. ولكن الأهم هو أن مدن الساحل أصبحت تستحوذ على قسط كبير من التجارة الدولية ، وحلّت محل المراكز الكبرى السابقة ـ الإسكندرية والقسطنطينية ـ فأصبحت ملتقى التجارة من الشرق