المنهوبات من السكان المحليين ، إلّا إنهم آثروا المدن على الريف ، واشتغلوا بالتجارة والإدارة والخدمات. وفي القرن الثالث عشر ، عندما تقلصت مساحة المملكة اللاتينية ، تضاءل هذا الاستيطان إلى حد التلاشي.
وبذلك ، وطوال قرنين من الوجود الفرنجي في الشرق ، ظل الريف آهلا بالسكان المحليين بصورة عامة ، وبقيت الزراعة حكرا عليهم تقريبا. وبعد الموجة الأولى من الاحتلال والمجازر والتهجير والاستيلاء على الأراضي ، استقرت الأحوال بصورة عامة ، ولكن ما لبثت الحروب أن اندلعت وراحت وتيرتها تتصاعد ، والريف يتحمل النكبات. ومع ذلك ، كانت البلاد تنتج حاجتها من المحاصيل الزراعية ، وتوفر حتى فائضا محدودا للتصدير. غير أن الوضع تغيّر في القرن الثالث عشر ، وصار اعتماد الفرنجة على أوروبا أساسا. وإذ كان السكان المحليون في المدن مواطنين من الدرجة الثانية ، فإنهم في الريف كانوا أقرب إلى الأقنان ، لكن ليس بصورة رسمية ، كما في أوروبا. لقد اكتشف الصليبيون أهمية سكان الريف ، فتركوا لهم فلاحة الأرض ، وجبوا منهم الضرائب التي وصلت إلى ثلث المنتوج. وتركوا للطوائف محاكم الأحوال الشخصية. أمّا في المدن ، فإن المحاكم المختلطة التي سيطر عليها أصحاب الكومونات ، ابتلعت المؤسسات القضائية الأخرى للسكان المحليين.
سادسا : العصر الأيوبي
ولد صلاح الدين يوسف بن أيوب (الملك الناصر ـ السلطان) في مدينة تكريت (العراق) ، لعائلة كردية سنة ١١٣٨ م. ثمّ انتقل مع والده إلى بعلبك (لبنان) ، حيث عين قائدا عسكريا فيها أيام عماد الدين زنكي. وبرز صلاح الدين على المسرح عندما رافق عمه أسد الدين شيركوه إلى مصر (١١٦٤ م). وفي سنة ١١٦٩ م ، تولى الوزارة في القاهرة بعد موت عمه. وفي سنة ١١٧١ م ، ألغى الخلافة الفاطمية الشيعية ، وأعلن البيعة للخليفة العباسي السني المستضيء. ومنذئذ برز توتر بينه وبين نور الدين زنكي ، حسم بوفاة الأخير ، واقتسام ورثته ملكه. وبناء عليه ، كان على صلاح الدين أن يقاتلهم من أجل توحيد مصر وسورية تحت قيادته ، وذلك في سبيل تحقيق حلمه ومشروع حياته ـ تصفية الكيانات الصليبية في الشرق. وفي معركة حطين (١١٨٧ م) حقق صلاح الدين إنجازا ضخما على هذا الصعيد ، لكنه مات سنة ١١٩٣ م ، قبل أن يستكمل مشروعه وبقي الوجود الفرنجي في الشرق قرابة قرن من الزمن بعد وفاته. وكانت معركة حطين منعطفا تاريخيا بالنسبة إلى العلاقات بين الشرق والغرب ، انقلبت فيه موازين القوى ، وتبدلت المواقع. فبالنصر الساحق ، عسكريا وسياسيا