الدر ، أرملة أيوب وأم ولده الطفل ، خليل الذي أرادت أن تحفظ حقه في ملك أبيه ، بينما هي وصية عليه. ثم قتلها المماليك ، لأنها قتلت أيبك. وعندما أطلق المماليك سراح لويس التاسع ، لقاء فدية كبيرة ، ظل هذا يسعى عبثا للهدف الذي انطلق من أجله. وشكّلت سنة ١٢٥٠ م منعطفا حاسما ، سواء بالنسبة إلى الأيوبيين ، إذ به انتهى ملكهم عمليا ، أو بالنسبة إلى مملكة أورشليم اللاتينية في عكا (سان جان داكر) ، حيث بدأ العد التنازلي لنهايتها أيضا.
وكان طبيعيا ألّا يرضى بنو أيوب بما فعله مماليك الصالح (نجم الدين أيوب) في مصر ، وأن يقاتلوا للاحتفاظ بملكهم. وكان كلما أسرعوا إلى تحقيق ذلك ، قربوا نهايتهم ، وهكذا جرى. ومرة أخرى ، عاد لويس التاسع (الطليق) يستغل التناقضات بين مصر ودمشق ، ولكن من دون جدوى. ولاح في الأفق بصيص أمل للصليبيين من الشرق ـ المغول. ولكن هذا الأمل سرعان ما خاب. فبعد موت الخان الأكبر ، منكوخان ، قرر هولاكو الانسحاب والعودة إلى قره قرم. وكان هذا السفاح قد دخل بغداد (١٢٥٨ م) ، وخربها ، وقتل الخليفة. ثم ما لبث أن توجه إلى بلاد الشام ، فاحتل الجزيرة وحلب ودمشق وغيرها ، وخربها ، وأرسل تهديداته إلى مصر. وبعد عودته إلى بلاده ، ترك جزءا من الجيش مع كتبغا ، بينما الأغلبية عادت معه. واستطاع المماليك ، بقيادة قطز ، إلحاق الهزيمة بالمغول ، أولا في غزة ، ثم في عين جالود ، في وسط مرج ابن عامر. ولم يستطع الصليبيون ، بسبب خلافاتهم الداخلية ، والصراع بين المنظمات العسكرية والمدن الإيطالية التجارية ، الإفادة من الغزو المغولي. ودخلت البلاد عصرا جديدا هو العصر المملوكي (١٢٦٠ م).
السكان والعمران
لقد جمعت فلسطين في القرنين ـ الثاني والثالث عشر ـ الضدين (الأيوبيين والفرنجة) في وحدة صراعية ، وكل حركة من أحد هذين الطرفين استوجبت حركة مضادة من الآخر. وإلقاء نظرة سريعة إلى تاريخ فلسطين في هذه الفترة ، تظهر أن البلد كان ساحة نزال بين الجانبين. والعصر الأيوبي تزامن مع وجود مملكة أورشليم اللاتينية ، في ذروة اتساعها بداية ، ثم بحجمها المقلص. وما عدا فترات قصيرة من المهادنة ، كان الصراع ، بهذه الدرجة من الحدة أو تلك ، هو السمة البارزة للعلاقة بين الأيوبيين ، أو بعضهم ، والفرنجة. وعندما كان هذا الصراع يهدأ ، لا يلبث أن ينفجر النزاع بين أقطاب العائلة الأيوبية. فهذه العائلة الكبيرة ، بعد موت مؤسسها ، صلاح الدين ، اعتبرت الأراضي التي كان يحكمها ، وهي واسعة جدا ، إرثا إقطاعيا جماعيا لها.