أزال كل المعالم التي أدخلها الصليبيون إلى منطقة الحرم. ثم أعاد بناء محراب المسجد الأقصى ، كما أحضر المنبر الخشبي المرصع بالعاج ، والمصنوع بدقة فنية رائعة ، والذي كان أمر بصنعه نور الدين زنكي ، فنصبه في المسجد الأقصى. ثمّ جدد بناء الصخرة المشرفة وزين داخلها. وأسس الخانقاه الصلاحية للصوفية والمدرسة الصلاحية لفقهاء الشافعية والزاوية الخثنية ، كما أنشأ البيمارستان الصلاحي ، وغيرها. وجلب العادل ماء نبع العروب إلى القدس ، وبنى الأفضل الجامع العمري. وقد أكثر من جاء بعدهم من العمارة في القدس. كما بنى الأيوبيون الكثير من القلاع داخل البلاد ، ورمموا الحصون ، وأسوار المدن التي دمرت في الحرب.
سابعا : العصر المملوكي
لقد عرفت الخلافة «نظام المماليك» العسكري منذ أيام العباسيين ، وتميّز بينهم المعتصم (٨٣٣ ـ ٨٤٢ م) ، الذي أكثر من اقتناء المماليك الأتراك. وعبر العصور ، وفي العواصم المتعددة ، تشكّلت كتائب عسكرية من قوميات متنوعة ، أصبحت عماد الجيش فيها. ومن صفوف هذا الجيش ، برز قادة أسسوا سلالات حاكمة فعلا ، وتابعة للخليفة العباسي اسما. ولكن بعد زوال ملك الأيوبيين ، اتخذ هذا النظام وضعا متميزا ، له قواعده وأصوله ، ونظامه وتراتبيته ، وفقا لأحدث ما توصل إليه الفن الحربي في ذلك العصر. والملك الصالح نجم الدين أيوب ، وبعد تجربته السلبية مع الخوارزمية ، اقتنى أعدادا كبيرة من المماليك الأتراك «الكبتشاك» ليتصدى لخصومه الأيوبيين ، من جهة ، ولأعدائه الصليبيين والمغول ، من جهة أخرى. فكانت نهاية ملك بني أيوب على أيديهم ، وأسسوا ملكا في مصر وبلاد الشام ، دام أكثر من قرنين ونصف.
وفي العصر الأيوبي ، وسواء لقتال الفرنجة ، أو للصراعات الداخلية ، تطور الجيش ، كمّا ونوعا. فحجمه أصبح كبيرا ، ومادته البشرية الأساسية كانت من الرقيق الأبيض التركي. وكذلك تطورت الفنون العسكرية وأدوات القتال ، الأمر الذي استلزم الكثير من التدريب ، وبذلك شاع احتراف العمل العسكري. والمماليك نموذج متقدم لهذا الاحتراف في عصرهم. وفي حالته المتقدمة ، كان الإعداد لهذا الاحتراف يبدأ بالطفولة ، ويتدرج إلى الفروسية والالتحاق بالجيش. وداخل الجيش سادت تراتبية دقيقة ، يجري الترقي فيها وفقا لقوانين صارمة. والجيش المملوكي ، لم يعتمد على الكم بقدر ما ركز على النوع. وإذ كان الأساس في تربية المماليك تهيئتهم للقتال ، فسرعان ما تطلع بعض البارزين فيهم إلى السلطة ، فظلت الحلقة المركزية من القادة