كما خلف أورخان وراءه سلسلة من السلاطين الأكفاء والنشطاء. فانتقل ابنه مراد الأول (١٣٥٩ ـ ١٣٨٩ م) بالحكم العثماني من مرحلة الدولة إلى الإمبراطورية. ووسع مراد ، وبوسائل متعددة : الحرب والسياسة والدبلوماسية ، أراضي دولته في الشرق ـ آسيا الصغرى ـ كما في الغرب ـ البلقان. ففي أوروبا توغل لالا شاهين ، قائد قوات مراد ، وطوق القسطنطينية وقطع صلتها البرية بأوروبا. وفي الشرق ، وسع أراضيه ونفوذه ، بالحرب والتحالف والزواج الدبلوماسي. فاحتل أنقرة (أنكورا) ، واشترى أنطاليا من بني حميد ، وبذلك أطلّ على البحر الأبيض المتوسط. وعقد تحالفات مع إمارتي الجرميان والقرمان التركيتين عبر الزواج. ثم التفت إلى أموره الداخلية ، فأعاد تقسيم الأراضي التي احتلها إلى إقطاعات كبيرة (زعامة) ، أعطاها لكبار القادة العسكريين ، وأخرى صغيرة (تيمار) ، كانت من نصيب الضباط الصغار. وطور الإدارة ، وأدخل نظاما جديدا في الجيش (يني تشري) ، جند بموجبه خمس أسرى الحرب في قواته العسكرية ، وهو النظام الذي صار يعرف لاحقا باسم الإنكشارية ، وهو نظام متطور عن المملوكية ، وقتل مراد غيلة في صربيا ، بعد أن هزم قيصرها في معركة كوسوفا (١٣٨٩ م).
وبعد مقتل مراد الأول ، تولى ابنه النشيط بايزيد السلطة (١٣٨٩ ـ ١٤٠١ م). فعمد بداية إلى قتل أخيه يعقوب ، ليحصر الوراثة في بيته ، وينهي التقليد التركي القديم ، الذي يفتحها لجميع أفراد الأسرة ، فأصبح سلوكه نهجا لدى بني عثمان من بعده. وكان بايزيد يفترق عن أسلافه في سلوكه ، سواء إزاء الداخل أو الخارج. ففي الداخل ، كرّس مركزية السلطة الفردية ، واتخذ رسميا لقب السلطان. وفي الخارج ، شنّ حروبا من دون هوادة ، في الشرق كما في الغرب. فقضى على الإمارات التركية في آسيا الصغرى ، وصار على تماس مع إيران ، التي كانت تحت حكم تيمورلنك. وفي الغرب حقق انتصارات ساحقة على البلغار والصرب والمجر والجرمان ، واكتسب بسبب سرعة حركته العسكرية كنية «يلدرم» (البرق). وفرض الحصار على القسطنطينية نفسها مرتين ، ولكنه عجز عن إسقاطها. وفي أوج عظمته ، اصطدم بايزيد مع الجزار تيمورلنك (١٤٠٢ م) ، بالقرب من أنقرة ، فهزم ووقع أسيرا في يد تيمورلنك ، ومات ، ربما منتحرا (١٤٠٣ م). وبدا وكأن حكم العثمانيين قد انهار ، على الأقل في آسيا الصغرى.
وبعد عودته من هذه الحملة إلى عاصمته ـ سمرقند ـ مات تيمورلنك (١٤٠٥ م). وكان قد أعاد الحكام المغول والأتراك الذين أخضعهم بايزيد إلى كراسيهم. ومن أدريانوبل ، في روميلي (الجزء الأوروبي من السلطنة العثمانية) ، حيث