الشيخ وابنيه ، أحمد وعلي اللذين تحصن كل منهما في قلعة ، ورفض الانصياع لوالده. وبدا واضحا أن نهاية الزيادنة أصبحت قريبة.
في الوقت الذي كانت السلطنة مشغولة بالحرب مع روسيا (١٧٦٨ ـ ١٧٧٤ م) استشرى التناحر في بلاد الشام ، وخصوصا بين والي دمشق وحاكم الجليل ، ظاهر العمر ، واستقطب القوى المحلية على تعدد أنواعها ، إلى هذا الجانب أو ذاك. وتفاقم الوضع بدخول المماليك المصريين طرفا في هذا الصراع. ولكن الحرب انتهت وخسرتها السلطنة. ووقعت معاهدة «كوتشوك (كجك) كاينرجي» (١٧٧٤ م) ، التي بموجبها تنازلت السلطنة عن جزيرة القرم لروسيا. وبعدها تفرغ الباب العالي لبلاد الشام ومصر ، وعلى رأس جدول أعماله ضبط الأوضاع فيهما ، وبداية إخضاع ظاهر العمر ، الذي كانت قوته قد ضعفت. وحاصره الأسطول العثماني ، بقيادة القبطان حسن باشا من البحر ، بينما زحف ضده جيش كبير من البر ، فأنزلا بظاهر العمر ضربة قاصمة. وقتل الشيخ خارج عكا ، هاربا مع بطانته ، بعد أن رفضت عساكره من المرتزقة الصمود في الحصار. وبمقتل ظاهر العمر ، انتهى عمليا حكم الزيادنة ، لأن أبناءه لم يكونوا مؤهلين ، لا ذاتيا ولا موضوعيا ، لتشكيل ظاهرة سلطوية قابلة للحياة ، فأجهز عليهم أحمد الجزّار (آغا).
ثالثا : أحمد باشا الجزار
إن الفترة الصاخبة التي مرت بها بلاد الشام ، وخصوصا فلسطين ، خلال الفترة (١٧٦٠ ـ ١٧٧٥ م) ، تمخضت عن بروز مملوك (بوسني الأصل) مغامر على مسرح الأحداث في عكا ، الآغا أحمد ، الملقب «الجزار». فقد أدى انصراف الباب العالي إلى فرض هيبته في بلاد الشام بعد معاهدة كوتشوك كاينرجي ، إلى تصفية كل من علي بك الكبير ومملوكه المتآمر عليه ، محمد أبي الذهب ، وظاهر العمر الزيداني. وكانت الصراعات قد أرهقت القوى المحلية جميعها ، الأمر الذي نشأ عنه فراغ سياسي ، عمد الباب العالي إلى ملئه بمماليك من نمط الجزار. وكان هذا ، قبل تعيينه حاكما على عكا لقاء دوره في القضاء على ظاهر العمر ، قد تنقل كمملوك في أقاليم متعددة ، ومواقع كثيرة ، وتقلب في نشاطه العسكري بين الأطراف المحلية المتصارعة ، بما تمليه عليه مصالحه الذاتية ، وطموحه الشديد إلى السلطة ، وجشعه للمال. ومن قاعدته في عكا ، راح يوسع نفوذه ليصبح واليا على دمشق ، متمردا على الباب العالي.
وأسوة بغيره من المماليك ، بدأ أحمد الجزار نشاطه في إستنبول ، ومنها انتقل