اعتمادا على دعم محمد علي له ، ثار محمد أبو مرق (باشا) ، متسلم (ملتزم) سنجق غزة ، على الجزار ، ومن بعده على سليمان باشا. فبطش به هذا الأخير (١٨٠٧ م) ، واستولى على «متصرفيته» في غزة ويافا. كما قمع سليمان تمردا في القدس. وبنشاطه وقدرته على لجم الحكام المحليين ، غطى على والي دمشق ، يوسف كنج آغا الكردي ، وخصوصا بعدما برز في تصديه للوهابيين ، الذين وصلوا (١٨٠٩ م) إلى المزيريب (في جوار درعا / سورية). فولاه السلطان على دمشق وطرابلس ، إضافة إلى صيدا. واستعان سليمان بالزعماء والمشايخ المحليين في صراعه مع الوهابيين. وهبّ لنجدته الأمير بشير الشهابي الثاني من جبل لبنان والشيخ فارس ناصيف من جبل عامل والشيخ سعد القعدان من بني صخر والتركمان ومشايخ منطقة صفد ورؤساء العشائر في منطقة نابلس. وفي سنة ١٨١٣ م ، قمع تمردا قام به شيخ ناحية بني صعب ، أبو عودة الجيوسي ، ونصّب مكانه ملتزما آخر من آل طوقان ، الذين كان زعيمهم ، موسى بك طوقان ، يتولى التزام ناحية نابلس.
وعندما كان السلطان محمود الثاني مشغولا بتنظيم شؤون الولايات التركية الأكثر أهمية في بلاد روميلي (الجزء الأوروبي من أراضي السلطنة) ، وفي آسيا الصغرى ، حيث واجه صعوبات جمّة ، زاد تدخل محمد علي (والي مصر) في شؤون بلاد الشام. وباندلاع التنافس بين واليي دمشق وصيدا ، بعد صد الخطر الوهابي ، انتهز الزعماء المحليون في فلسطين ـ جبل نابلس وجنين والقدس والخليل ـ الفرصة للفكاك من سلطة والي دمشق ، الذي كانت هذه المناطق تتبع له. واندلع الصراع بين هؤلاء الزعماء ، من جهة ، ومع الوالي في دمشق ، من جهة أخرى. وانخرط في الصراع آل طوقان (الموالين لباشا دمشق) ، يؤيدهم آل البرقاوي ، ضد آل عثمان والجماعيني ، وسرعان ما استقطب هذا الصراع آل جرار وعبد الهادي والجيوسي. وتدخل سليمان باشا لفض الصراع (١٨١٥ م) ، الأمر الذي عزّز مكانته إزاء والي دمشق ، ورفع من شأنه في إستنبول. وفي أيامه ، رمّم سليمان باشا أسوار عكا ، وأقام سبيلا عند بوابتها ، وكذلك قام بترميم قبة الصخرة والمسجد الأقصى في القدس ، وأقام جامعا في الناصرة ، وعين عليه الشيخ عبد الله الفاهوم ، قاضي البلدة.
وبعد موت سليمان باشا ، خلفه مملوكه ، عبد الله باشا (١٨١٩ ـ ١٨٣١ م) ، فعاد هذا إلى سياسة الجزار ، الأمر الذي أثار الزعماء المحليين عليه ، ثمّ ما لبث أن تمرد على أمر السلطان بعزله عن ولاية صيدا ، معتمدا في رفضه قرار محمود الثاني على دعم محمد علي. وكان هذا الأخير قد دخل مرحلة الصراع المفتوح مع السلطان ، الذي وعده ببلاد الشام الجنوبية ، لقاء دوره في معركة نفارينو البحرية ،