وبعد قضائه على المماليك ، وتثبيت أقدامه في مصر ، وبناء قوته الذاتية ، توجه محمد علي إلى محاربة الوهابيين في الجزيرة العربية ، بطلب من السلطان. واستطاع في حملة دامت سبعة أعوام (١٨١١ ـ ١٨١٨ م) أن يهزمهم ويدمر عاصمتهم الدرعية ، ولكن بتكلفة عالية ، بالمال والرجال. وإذ لم يكن في موقع الصدام مع الباب العالي على بلاد الشام لتعويض خسائره ، فقد توجه نحو السودان (١٨١٩ م) ، حيث ذهب النوبة وتجارة العبيد ومنتوجات إفريقيا. وفي فترة ١٨٢٤ ـ ١٨٢٨ م ، شارك محمد علي في إخماد ثورة اليونان إلى جانب السلطان ، وأرسل المدربين لبناء الجيش العثماني الجديد بعد القضاء على الإنكشارية. إلّا إنه في سنة ١٨٢٧ م ، فقد أسطوله في معركة نفارينو على يد الأساطيل المشتركة لروسيا وبريطانيا وفرنسا. وبعدها لم يشارك في حرب السلطان مع روسيا (١٨٢٨ ـ ١٨٢٩ م) بل على العكس ، قرر الانفصال عن السلطنة ، وعزم على انتهاز فرصة ضعفها لاحتلال بلاد الشام.
وفي ٢٩ تشرين الأول / أكتوبر ١٨٣١ م ، سيّر محمد علي جيشه إلى فلسطين ، بقيادة ابنه وذراعه الأيمن ، إبراهيم باشا الذي اكتسب شهرة عسكرية في حرب اليونان. وفي شتاء تلك السنة ، احتل غزة ويافا والقدس وحيفا والجليل ، من دون مقاومة. وقدم له الزعماء المحليون ولاءهم بإشارة من أمير جبل لبنان ، بشير الشهابي حليف محمد علي. وأبقى إبراهيم باشا الشيخ حسين عبد الهادي حاكما على منطقة نابلس ، وعين أبناء الشيخ قاسم الأحمد حكاما على القدس ونابلس ويافا. وبعد حصار ستة أشهر ، سقطت عكا في يده في ٢٨ أيار / مايو ١٨٣٢ م. ومنها توجه إلى دمشق ، فدخلها في ١٤ حزيران / يونيو ١٨٣٢ م. وفي المعركة عند بحيرة قطينة (بالقرب من حمص) ، هزم الجيش العثماني في ٨ تموز / يوليو ١٨٣٢ م ، فاستسلمت حماة وحلب وأنطاكيا. وبعد موقعة بيلان في ٣٠ تموز / يوليو ١٨٣٢ م ، توغل في آسيا الصغرى ، وهزم العثمانيين مجددا عند مدينة قونيا في ٢١ كانون الأول / ديسمبر ١٨٣٢ م ، وأسر «الصدر الأعظم» (رئيس الوزراء).
لقد حقق جيش محمد علي الحديث انتصارا ساحقا على الجيش العثماني ، الذي كان لا يزال في طور البناء ، ويلاقي السلطان صعوبات جمة في تشكيله وتزويده ، بعد أن ألغى نظام الإنكشارية. واستفاد إبراهيم من حالة التذمر التي سادت بلاد الشام ، جراء تردي الأوضاع الاقتصادية ، واستفحال الاحتكارات الأجنبية ، وإغراق السوق المحلية بالبضائع المستوردة ، التي أدّت إلى كساد الصناعات المحلية وانهيار الحرف اليدوية ، وكذلك من ردة فعل الناس على زيادة الضرائب لتمويل نفقات الجيش الجديد ، وعلى التجنيد الإلزامي الذي فرض لتوفير الطاقة البشرية لذلك