وتنظيمه. فاشتبك الجيشان ، في إثر خلاف مفتعل على الحدود ، في معركة نصيبين (١٨٣٩ م) ، وهزم الجيش العثماني ، وتوغل إبراهيم باشا في آسيا الصغرى ، إذ أصبح الطريق أمامه مفتوحا إلى إستنبول. وزيادة على ذلك ، قام أحمد باشا ، قائد الأسطول الذي أرسل لقصف الإسكندرية بتسليم نفسه وسفنه إلى محمد علي. وبدت السلطنة على وشك الانهيار ، فتحركت بريطانيا ، وعقدت مؤتمر لندن (١٨٤٠ م) بمشاركة روسيا والنمسا وبروسيا ، وبغياب فرنسا التي أيدت محمد علي في البداية ثم انكفأت. ووجه المؤتمرون إنذارا إلى محمد علي بضرورة الانسحاب من بلاد الشام والعودة إلى حدود مصر ، مع التهديد باستعمال القوة لإجباره على ذلك إن رفض.
وفي الواقع ، رفض محمد علي الرضوخ للتهديد. وفي هذه الأثناء نفضت حكومة فرنسا يدها من الموضوع ، وسحبت أسطولها من البحر الأبيض المتوسط ، وبقي محمد علي وحده في مواجهة تحالف مؤتمر لندن والسلطنة العثمانية. وفي أيلول / سبتمبر ١٨٤٠ م هاجمت أساطيل بريطانيا والنمسا مدن الساحل السوري ، وأنزلت فيها قوات ، احتلت بيروت وصور وصيدا ، وأجلي الأمير بشير الشهابي إلى مالطا. ثم احتلت هذه الأساطيل يافا ، وحاصرت عكا واحتلتها في تشرين الثاني / نوفمبر ١٨٤٠ م ، ومنها توجهت إلى الإسكندرية ، فقصفتها وحاصرتها. في المقابل ، كان الجيش العثماني يتقدم في إثر جيش إبراهيم باشا المنسحب ، في أوضاع صعبة ، بسبب مهاجمة الزعماء المحليين لمؤخرته ، وإنزال الخسائر الكبيرة به. واحتل العثمانيون الجليل وصفد والناصرة وطبرية ، وأخيرا القدس. واضطر محمد علي إلى الرضوخ ، فانتهى الحكم المصري في بلاد الشام ، التي دخلت حقبة جديدة.
تنظيمات إبراهيم باشا
كانت فترة الحكم المصري قصيرة (تسعة أعوام) ، إذ لم يفلح محمد علي في ترسيخ الإصلاحات التي سعى لنقلها من مصر إلى بلاد الشام. فبعد اعتراف السلطان العثماني به واليا (باشا) مستقلا في مصر ، وصاحب حق في توريث حكمه لسلالته من بعده ، عمل محمد علي بنشاط كبير على تحديث دولته وعصرنتها. أمّا ابنه إبراهيم فقد طوّر الفكرة إلى جعل هذه الدولة عربية ، تضم الأراضي جميعها التي ينطق سكانها باللغة العربية. وفي الواقع ، فإن محمد علي ، وابنه إبراهيم تحديدا ، رفعا شأن اللغة العربية في جهاز الدولة. وإبراهيم بالذات رأى فيها عنصر توحيد للمناطق التي أراد فصلها عن السلطنة العثمانية ، وإقامة الدولة العربية فيها. لكن بريطانيا ، التي أقلقتها حملة نابليون وأزعجتها نوايا محمد علي ، تصدرت دول أوروبا في العمل على