كما نشطت في هذه الفترة الجمعيات الأثرية التي عنيت بالدراسات التوراتية ، وخصوصا بما سمي «علم الآثار التوراتي». وإذ كان علم الآثار هو السمة العلنية لهذه الجمعيات والمؤسسات التي أنشأتها ، فقد انطوت على أغراض سياسية ـ عسكرية. وأول هذه المؤسسات كان صندوق استكشاف فلسطين ، الذي تأسس سنة ١٨٦٥ م ، على يد الإنكليز وهدفه المعلن «البحث في الآثار والجغرافيا والجيولوجيا والتاريخ الطبيعي لفلسطين.» وعندما أصدر هذا الصندوق العدد الأول من مجلته (١٨٦٩ م) كتب على غلافه «جمعية من أجل البحث الدقيق والمنظم في الآثار والطوبوغرافيا والجيولوجيا والجغرافيا الطبيعية والتاريخ الطبيعي وعادات وتقاليد الأرض المقدسة لغاية التوضيح التوراتي». وقد وضع هذا الصندوق أول خريطة (كيتشنر) لفلسطين (غربي الأردن) ، قائمة على أعمال المساحة ، وذلك قبل أن يبدأ بالحفر في القدس والمواقع الأثرية الأخرى.
وفي سنة ١٨٧٠ م تأسست جمعية استكشاف فلسطين الأميركية ، التي وجهت عند قيامها نداء «إلى الضمير الديني ، مسيحيا كان أم يهوديا ، من أجل البرهنة على صحة الكتاب المقدس.» لكن هذه الجمعية لم تعمّر طويلا ، إذ توقفت سنة (١٨٨١ م) ، وحلت محلها (١٩٠٠ م) المدرسة الأميركية للأبحاث الشرقية في القدس. وكان الأسطول الأميركي قد أرسل بعثة برئاسة الضابط في البحرية ، وليام ف. لينش ، لدراسة البحر الميت وشرقي الأردن. وتجدر الإشارة إلى أن جمعية استكشاف فلسطين الأميركية ركزت نشاطها في شرقي الأردن ، قبل أن تتوقف عنه تماما. وفي سنة ١٨٧٠ م ، أنشئت جمعية بريطانية أخرى هي جمعية الآثار التوراتية. وأقام الفرنسيون (الرهبان الدومينيكان) المدرسة الفرنسية للدراسات التوراتية (١٨٩٠ م). كما أنشأ الألمان جمعيتين : الجمعية الألمانية للأبحاث الفلسطينية (١٨٧٧ م) ، والجمعية الألمانية للدراسات الشرقية (١٨٩٧ م).
وفي الثلاثينات من القرن التاسع عشر ، عندما بدأ استعمال السفن البخارية ، تأسست للمرة الأولى خدمات نقل بحري ثابتة بين فلسطين وأوروبا. وفي سنة ١٨٣٧ م ، حصلت النمسا وفرنسا على تصاريح لإقامة خدمات بريدية في المدن الرئيسية في بلاد الشام. وفي سنة ١٨٦٥ م أقيمت خدمات تلغرافية بين المدن الفلسطينية وإستنبول وأوروبا. وفي سنة ١٨٦٨ م عبد الطريق بين يافا والقدس ، وفي سنة ١٨٨١ م بين القدس وكل من الخليل ونابلس. وساعدت وسائل الاتصال والمواصلات على إنعاش حركة السياح والحجاج والرحالة إلى البلاد. ووصل عدد سكان فلسطين في بداية الثمانينات من القرن التاسع عشر نحو ٠٠٠ ، ٤٥٠ نسمة ، بعد