أن كان في مطلع هذا القرن يقدر بنحو ٠٠٠ ، ٣٠٠ نسمة فقط.
إن جملة التنظيمات الإدارية التي اتخذتها الحكومة العثمانية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، مكنتها من إحكام قبضتها على فلسطين وبلاد الشام ، إداريا وماليا وأمنيا. وقد تضافرت لذلك عوامل عدة ، منها إشراك السكان المحليين في إدارة شؤون مناطقهم إلى جانب الحاكم التركي. وكذلك ، فإنه بفعل هذه التنظيمات استقرت إلى حد معين الإدارة في الولايات ، إذ جرى تحديثها وتطوير أسلوب عملها. واستوعبت الإدارة الزعماء المحليين في جهازها كموظفين خاضعين لقانون الدولة ، وليس كمتعاقدين معها. وقد تمّ ذلك بعد إضعاف هؤلاء الزعماء وخلخلة موقعهم الاجتماعي ، ولكن من دون إنهائهم ، فتعاونوا مع السلطة للحفاظ على ما تبقى لهم من تأثير. وتظهر أسماء هؤلاء في الوظائف الحكومية والمجالس الشعبية في الألوية والأقضية والمدن. كما تظهر في لوائح جهاز الدولة أسماء أبناء الطوائف الدينية ـ المسيحية واليهودية. وتجدر الإشارة إلى أن هذه التنظيمات ، وخصوصا المتعلقة بحقوق الأفراد ، أدخلت تحت ضغط الدول الأوروبية التي تغلغلت في تدخلها في شؤون السلطنة إلى حد بعيد في هذه الفترة بالذات.
سادسا : اليقظة القومية
خلال القرن التاسع عشر ، ظهر في بلاد الشام ، ومن ضمنها فلسطين ، الوعي القومي ، بمفهومه الحديث ، الذي تبلورت مرتكزاته في أوروبا بالتواكب مع مراحل تطور الرأسمالية هناك. ويتلخص هذا المفهوم بأن كتلة بشرية محددة ، تقيم على رقعة جغرافية معينة ، وتتكلم لغة واحدة ، ولها تراث مشترك ، وبالتالي مصير مشترك أيضا ، من حقها أن تتوحد سياسيا في دولة قومية ، تمشيا مع روح العصر. وإذ لم تكن الأرضية مهيّأة لمثل هذه الفكرة وتجسيدها عبر حركة قومية عربية ، أو مجموعة حركات وطنية ، في بداية القرن ، فإنها خلاله ، وإزاء نهايته ، وعبر التطورات التي شهدتها البلاد ، وانعكاساتها على السكان ، وما تمخضت عنه من نتائج ، سواء على الصعيد الذاتي أو الموضوعي ، تبلورت إلى ظاهرة سياسية فاعلة ، ذات أهداف محددة بخطوطها العامة. واستنادا إلى تلك الخطوط التي شكلت مضمون «الحركة القومية» ، برزت في أجزاء متعددة من الوطن العربي صيغ تنظيمية متأثرة بطبيعة الحال بالواقع المحيط.
ولقد تضافرت عوامل عدة لإنتاج ظاهرة القومية العربية في صيغتها الجديدة. وكان بعضها ذاتيا ، الوعي الذاتي لخصوصية الأمة العربية بين شعوب العالم ،