التي كان نسجها عبد الحميد وبطانته. وأسوة بسياسة عبد الحميد ، واصلوا التنكيل بالأرمن والأقليات العرقية. وحظروا نشاط المنظمات الوطنية ـ العربية والألبانية وغيرها. وفي سنة ١٩٠٩ م حرّموا نشاط الإخاء العربي ـ العثماني. وتسلح قادة تركيا الفتاة بسلاح الجامعة العثمانية ، بمفهومه التركي ، وانتهجوا سياسة التتريك القسري ، وأغلقوا المدارس القومية ، وأدخلوا اللغة التركية كلغة رسمية وحيدة في السلطنة.
أ) المنظمات العربية السرية
إزاء ارتداد تركيا الفتاة عن الشعارات التي رفعتها قبل تسلمها السلطة ، كان طبيعيا أن يتحوّل القوميون العرب ، من حلفائها السابقين ، إلى المعارضة ، فانتهى بذلك الإخاء العربي ـ العثماني ، وحلت محله المقاومة السافرة. وعندما لجأ حكام تركيا الجدد إلى تحريم النشاط السياسي العلني ، عمدت المنظمات العربية إلى تكتيكات جديدة ، تجمع بين النشاط العلني والعمل السري ، كما انتقل جزء منهم إلى الخارج لمتابعة نشاطه من هناك. وفي صيف سنة ١٩٠٩ م أسسوا المنتدى الأدبي في القسطنطينية ، بديلا من جمعية الإخاء العربي ـ العثماني. واتخذ هذا المنتدى في الظاهر صفة ثقافية ، واتسعت عضويته ، وفتح له فروعا في المدن السورية والعراقية فأصبح مركزا لتجمع المثقفين العرب الوطنيين. وسريعا أقام هؤلاء اتصالات مع أقرانهم في مصر والولايات المتحدة ، وأدخلوا المطبوعات الممنوعة إلى المنتدى.
ولم يلبث المنتدى ، انسجاما مع أساس كينونته أن تحوّل إلى ستار للنشاط السياسي السري. وخلال الحرب العالمية الأولى ، شنق حكام تركيا الجدد أربعة من أعضاء لجنته الستة ، بتهمة النشاط المعادي لتركيا.
وفي نهاية سنة ١٩٠٩ م أسس عبد الكريم الخليل ، رئيس المنتدى الأدبي ، جمعية سرية هي القحطانية لتعمل بالسياسة ، بموازاة النشاط الثقافي للمنتدى. وكان أعضاء القحطانية من الضباط العرب في الجيش العثماني ، وعلى رأسهم عزيز علي المصري ، الذي أدّى دورا في انقلاب تركيا الفتاة ، ثم تخلى عنها ، وعمل على تنظيم الضباط العرب في مواجهتها. وكان المصري يتمتع باحترام كبير بين أقرانه ، ومنهم : سليم الجزائري وأمين وعادل أرسلان وعلي النشاشيبي وشكري العسلي. وكانت أهداف القحطانية لا تفترق كثيرا عن أهداف الإخاء العربي ـ العثماني. فقد اعتبرت العرب أمة واحدة قائمة بذاتها. وبناء عليه ، تجب إعادة صوغ السلطنة العثمانية لتعبر عن دولة ثنائية القومية ـ عربية وتركية ـ ويكون السلطان التركي هو ملك العرب ، الذين يتمتعون بدورهم بحكم ذاتي في بلادهم ، ولكن في إطار السلطنة. ويكون لهم برلمان